معاند ، أو ما كانوا يهذبون إلى درر فوائده من كلّ فجّ عميق ، ويجتمعون على اجتلاب درر مباحثه فريقا بعد فريق؟ وما أحسن قول من قال : [الكامل]
٥٩٦ ـ وجحود من جحد الصّباح إذا بدا |
|
من بعد ما انتشرت له الأضواء |
ما دلّ أنّ الفجر ليس بطالع |
|
بل إنّ عينا أنكرت عمياء |
وأمّا قولك : «تاسعا : البليغ من عدّت هفواته والجواد من حصرت عثراته إلى آخر ما هذيت» فالجواب عنه : حاشا أن تكون من البلغاء الذين تكون هفواتهم معدودة ، أو من الجواد الذي تكون عثراته محصورة ، فإنّك قد عثّرت في هذا السؤال والجواب تعثيرا كثيرا كما ترى ، ولو لا دعدعتنا لك لبقيت عاثرا أبدا ، وقد قيل : [الطويل]
٥٩٧ ـ لحى الله قوما لم يقولوا لعاثر |
|
ولا لابن عمّ كبّه الدّهر دعدعا |
بل أنت كما قال الشاعر (٢) : [الطويل]
فضول بلا فضل وسنّ بلا سنا |
|
وطول بلا طول وعرض بلا عرض |
وأمّا قولك : «عاشرا : أظنّك قد غرّك رهط احتفّوا من حولك ، وألقوا السّمع إلى قولك إلى الآخر» فالجواب : أنّ هذا ظنّ فاسد ، قد نشأ من سوء فهمك وخطأ قياسك لأنّك قسته على نفسك ، والأمر على عكس ذلك ، لأنّك قد ركبت الشّطط والأهوال ، وبذلت العمر والأموال حتى اجتمع عندك جمع من الفسقة الجهّال ، لا يعرفون الحلال من الحرام ، ولا يميزون الجواب من السؤال ، يعظّمونك في الخطاب ، ويصدّقونك في الغياب ، يمثلونك بذوي الرقاب فقل بالله قولا صادقا ، هل تقدّمت في مدّة حياته في مجالس التدريس وحلق المناظرة؟ وهل عليك للعلم جمال وأبّهة؟ أو ما كنت بالعامة مشتبه وبالأتراك معتده؟ يجرّونك إلى كل بلد سحيق ويرمونك في كلّ فجّ عميق ، وهلّا سفّهت رأي مخدومك محمد بن الرشيد وزير السلطان أبي سعيد حين بني باسمه المدرسة الحجرية في الرّبع الرّشيدية ، وحضرت بين يديه يوم الإجلاس صامتا كالبرمة عند الهرّاس وفقدت الحواس وكنت كالوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس ، فنعوذ بالله من أمثالك من الجنّة والناس ، وأمّا الذين اجتمعوا عند والدي واشتغلوا عليه وتمثّلوا بين يديه فهم العلماء الأبرار والصّلحاء
__________________
٥٩٧ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (دعع) ، والمخصص (١٢ / ١٨٨) ، وتاج العروس (دعع) ، وشرح المفصّل (٤ / ٣٤) ، والمخصص (١٢ / ١٨٨).
(١) انظر حاشية مقامات الحريري (ص ٤٣٥).