والجواب فيه أربعة أقوال :
أحدها : أنّه ما في «أطيب» من معنى الفعل.
الثاني : أنّه كان التامّة المقدّرة ، وعليه الفارسي (١).
الثالث : أنّه ما في اسم الإشارة من معنى الفعل ، أي أشير إليه.
الرابع : أنّه ما في حرف التنبيه من معنى الفعل.
ورجّح الأوّل بأمور :
١ ـ منها : أنّهم متّفقون على جواز «زيد قائما أحسن منه راكبا» ، وثمرة نخل بسرا أطيب منها رطبا. والمعنى في هذا كلّه وفي الأوّل سواء ، وهو تفضيل الشيء على نفسه باعتبار حالين ؛ فانتفى اسم الإشارة وحرف التنبيه ، ودار الأمر بين القولين الباقيين. والقول بإضمار كان ضعيف ، فإنّها لا تضمر إلّا حيث كان في الكلام دليل عليها نحو : «إن خيرا فخير» وبابه ؛ لأنّ الكلام هناك لا يتمّ إلّا بإضمارها ، بخلاف هذا ، ويبطله شيء آخر ، وهو كثرة الإضمار ، فإنّ القائل به يضمر ثلاثة أشياء : «إذا» ، والفعل ، والضمير ، وهذا بعيد ، وقول بما لا دليل عليه.
٢ ـ ومنها : لو كان العامل الإشارة لكانت إلى الحال لا إلى الجوهر وهو باطل ؛ فإنّه إنّما يشير إلى ذات الجوهر ، ولهذا تصحّ إشارته إليه وإن لم يكن على تلك الحال ، كما إذا أشار إلى تمر يابس فقال : «هذا بسرا أطيب منه رطبا» ، فإنّه يصحّ ، ولو كان العامل في الحال هو الإشارة لم يصحّ.
٣ ـ ومنها : لو كان العامل الإشارة لوجب أن يكون الخبر عن الذات مطلقا ؛ لأنّ تقييد المشار إليه باعتبار الإشارة إذا كان مبتدأ لا يوجب تقييد خبره إذا أخبرت عنه ، ولهذا تقول : «هذا ضاحكا أبي» ، فالإخبار عنه بالأبوّة غير مقيّد بحال ضحكه بل التقييد للإشارة فقط ، والإخبار بالأبوّة وقع مطلقا عن الذّات.
٤ ـ ومنها : أنّ العامل لو لم يكن هو «أطيب» لم تكن الأطيبيّة مقيّدة بالبسريّة ، بل تكون مطلقة ، وذلك يفسد المعنى ؛ لأنّ الغرض تقييد الأطيبيّة بالبسريّة مفضلة على الرّطبيّة ، وهذا معنى العامل ؛ وإذا ثبت أنّ الأطيبيّة مقيّدة بالبسريّة وجب أن يكون «بسرا» معمولا ل «أطيب».
فإن قلت : لو كان العامل هو «أطيب» لزم منه المحال ؛ لأنّه يستلزم تقييده بحالين مختلفين ، وهذا ممتنع ؛ لأنّ الفعل الواحد لا يقع في حالين كما لا يقع في
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٦٠).