ظرفين ، لا يقال : زيد قائم يوم الجمعة يوم الخميس ، ولا يجوز أن يعمل عامل واحد في حالين ولا ظرفين إلّا أن يتداخلا ، ويصحّ الجمع بينهما نحو : «زيد مسافر يوم الخميس ضحوة» ، و «سرت راكبا مسرعا لدخول الضحوة في اليوم ، والإسراع في السّير وتضمّنه له. ولا يجوز : «سرت مسرعا مبطئا» لاستحالة الجمع بينهما. فكذا يستحيل أن يعمل في «بسرا» و «رطبا» عامل واحد لأنّهما غير متداخلين.
فالجواب : أنّ العامل في الحالين متعدّد لا متّحد ، فالعامل في الأوّل ما في «أطيب» من معنى الفعل ، وفي الثاني معنى التمييز والانفصال منه بزيادة في تلك الصّفة ، وهو الذي تضمّنه معنى «أفعل» وتعلّق به حرف الجرّ ؛ لأنّك إذا قلت : «هذا أطيب من هذا» ، تريد : أنّه طاب وزاد طيبة عليه. وعبّر عن هذا طائفة بأن قالوا : أفعل التفضيل في قوّة فعلين ، فهو عامل في «بسر» باعتبار «طاب» ، وفي «رطب» باعتبار «زاد» ؛ حتّى لو فككت ذلك لقلت : هذا زاد بسرا في الطيب على طيبه في حال كونه رطبا ، وكان المعنى المطلوب مستقيما.
السؤال الرابع : إذا كان العامل أفعل التفضيل لزم تقديم معموله عليه والاتّفاق على منعه.
والجواب من وجهين :
أحدهما : لا نسلّم المنع ، ودعوى الاتّفاق غير صحيح ؛ فإنّ بعض النّحاة جوّزه لقوله : [الطويل]
٧٧٥ ـ [فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت |
|
جنى النحل] أو ما زوّدت منه أطيب |
الثاني : سلّمناه إلّا أنّه خاصّ ب «منك» لا يتعدّى إلى الحال والظرف ، وذلك لأنّ «منك» في معنى المضاف إليه على ما تقرّر في بابه ، فكره تقديمه على ما هو كالمضاف ، ولا يلزم من ذلك امتناع تقديم معمول ليس مثله.
وجواب ثالث : وهو أنّهم إذا فضّلوا الشيء على نفسه باعتبار حالين فلا بدّ من تقديم أحدهما على العامل ، وإن كان ممّا لا يسوغ تقديمه لو لم يكن كذلك ؛ وكذا إذا فضّلوا ذاتين باعتبار حالين قدّموا أحدهما على العامل ، وقد قالوا : «زيد قائما كعمرو قاعدا». فإذا جاز تقديم هذا المعمول على كاف التشبيه التي هي أبعد في العمل من باب أفعل فتقديم معمول أفعل أجدر.
__________________
٧٧٥ ـ الشاهد للفرزدق في خزانة الأدب (٨ / ٢٦٩) ، والدرر (٥ / ٢٩٦) ، وشرح المفصّل (٢ / ٦٠) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٣) ، وتذكرة النحاة (ص ٤٧) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٨٩) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤٦٨) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٧٦٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٠٤).