منها تلويحا ، حيث سكت عنها ، وهي أن يكون الظرف متعلّقا ب (فأتوا) والضمير لما نزّلنا ، ولمّا كانت علّة عدم التجويز خفيّة استشكل خاتم المحققين عضد الملة والدين واستعلم من علماء عصره بطريق الاستفتاء ، وهذه عبارته نقلناها على ما هي عليه تبرّكا بشريف كلامه : «يا أدلّاء الهدى ومصابيح الدّجى ، حيّاكم الله وبيّاكم ، وألهمنا الحقّ بتحقيقه وإيّاكم ، ها أنا من نوركم مقتبس وبضوء ناركم للهدى ملتمس ، ممتحن بالقصور لا ممتحن ذو غرور ، ينشد بأطلق لسان وأرقّ جنان (١) : [المتقارب]
ألا قل لسكّان وادي الحمى |
|
هنيئا لكم في الجنان الخلود |
أفيضوا علينا من الماء فيضا |
|
فنحن عطاش وأنتم ورود |
قد استبهم قول صاحب (الكشاف) أفيضت عليه سجال الألطاف : من مثله متعلّق بسورة صفة لها أي : بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزّلنا أو لعبدنا ، ويجوز أن يتعلق بقوله : فأتوا والضمير للعبد» حيث جوّز فى الوجه الأول كون الضمير لما نزّلنا تصريحا ، وحظره في الوجه الثاني تلويحا ، فليت شعري ما الفرق بين «فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزّلنا» ، وهل ثمّ حكمة خفيّة أو نكتة معنوية أو هو تحكّم بحت؟ بل هذا مستبعد من مثله فإن رأيتم كشف الريبة وإماطة الشبهة والإنعام بالجواب ، أثبتم أجزل الأجر والثواب».
ثم كتب الفاضل الجاربردي في جوابه كلاما معقّدا في غاية التعقيد ، لا يظهر معناه ولا يطّلع أحد على مغزاه ، رأينا أنّ إيراده في أثناء البحث يشتّت الكلام ويبعد المرام ، فأوردناه في ذيل المقصود مع ما كتب في ردّه خاتم المحققين.
وقال العلامة التفتازاني في شرحه (للكشاف) : الجواب أنّ هذا أمر تعجيز باعتبار المأتيّ به ، والذّوق شاهد بأنّ تعلّق «من مثله» بالإتيان يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى منه بشيء ، ومثل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في البشرية والعربية موجود بخلاف مثل القرآن في البلاغة والفصاحة ، وأمّا إذا كان صفة للسورة فالمعجوز عنه هو الإتيان بالسورة الموصوفة ولا يقتضي وجود المثل ، بل ربّما يقتضي انتفاءه حيث يتعلّق به أمر التعجيز ، وحاصله أنّ قولنا : ائت من مثل الحماسة ببيت يقتضي وجود المثل بخلاف قولنا : ائت ببيت من مثل الحماسة ، انتهى كلامه.
وأقول : لا يخفى أنّ قوله : «يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٥٨٢).