والثاني : أنّ قولنا : «بسم الله الرحمن الرحيم» جملة خبريّة ، وقولنا صلّى الله على سيّدنا محمد جملة معناها الدعاء ، فلما اختلفتا فكانت الأولى إخبارا وكانت الثانية دعاء ، وكان من شأن واو العطف أن تشرك الثاني مع الأول لفظا ومعنى لم يصحّ عندهم عطف هاتين الجملتين على بعضهما لاختلافهما لفظا ومعنى.
فإن كانت العلة التي حملتهم على إنكار ذلك اختلاف إعراب الجملتين فإنّ ذلك غير صحيح ، بل هو دليل على قلّة نظر قائله ، لأنّ تشاكل الإعراب في العطف إنما يراعى في الأسماء المفردة المعربة خاصّة ، وأمّا عطف الجمل فإنّه نوعان :
أحدهما : أن تكون الجملتان متشاكلتين في الإعراب ، كقولنا : إنّ زيدا قائم وعمرا خارج ، وكان زيد قائما وعمر خارجا ، فيعطف الاسم والخبر على الاسم والخبر.
والنوع الثاني : لا يراعى فيه التشاكل في الإعراب ، كقولنا : قام زيد ومحمّدا أكرمته ، ومررت بعبد الله وأمّا خالد فلم ألقه ، وفي هذا أبواب قد نصّ عليها سيبويه وجميع البصريين والكوفيين ، لا أعلم بينهم خلافا في ذلك ، وذلك كثير في القرآن والكلام المنثور والمنظوم ، كقوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [النساء : ١٦٢] ، وكقول خرنق:[الكامل]
٥٧١ ـ النّازلين بكلّ معترك |
|
والطّيّبون معاقد الأزر |
وقد ذكر ذلك في المختصرات الموضوعات في النحو كالجمل والكافي لابن النحاس وغيرهما.
وإن كانوا أنكروا ذلك من أجل أنّ قولنا : بسم الله الرحمن الرحيم جملة خبرية ، وقولنا : صلّى الله عليه وسلّم جملة معناها الدعاء فاستحال عندهم عطف الدعاء على الخبر ، لا سيّما ومن خاصة الواو أن تعطف ما بعدها على ما قبلها لفظا ومعنى ، وهاتان جملتان قد اختلف لفظهما ومعناهما ، فما اعترضوا به غير صحيح أيضا ، وهذا الذي قالوه يفسد عليهم من وجوه كثيرة لا من وجه واحد :
فأولها : أنّا وجدنا كلّ من صنّف من العلماء كتابا مذ بدأ الناس بالتصنيفات إلى زماننا هذا يصدّرون كتبهم بأن يقولوا : الحمد لله الذي فعل كذا وكذا ، ثم
__________________
٥٧١ ـ الشاهد للخرنق بن هفّان في ديوانه (ص ٤٣) ، وأمالي المرتضى (١ / ٢٠٥) ، والإنصاف (٢ / ٤٦٨) ، وأوضح المسالك (٣ / ٣١٤) ، والحماسة البصرية (١ / ٢٢٧) ، وخزانة الأدب (٥ / ٤١) ، والدرر (٦ / ١٤) ، وسمط اللآلي (ص ٥٤٨) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٦) ، والكتاب (١ / ٢٦٤) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٦٠٢) ، وبلا نسبة في رصف المباني (ص ٤١٦) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٩٩).