ذلك في الوسوسة كقول بعضهم : «وسوسة الشيطان إلى النفس داء» ، تتعيّن المصدرية في مثل هذا لا بالانتصاب بعد الفعل.
الثاني : أنّ المصدر المضاف إليه ذو تقديرا لا يؤنّث ولا يثنّى ولا يجمع ، بل يلزم طريقة واحدة لتعلم أصالته في المصدرية وفرعيته في الوصفية ، فيقال : امرأة صوم ورجل صوم ورجلان صوم ورجال صوم أو نساء ، وفعلال الموصوف به ليس كذلك ، لأنه يؤنّث ويثنّى ويجمع وجوبا ، فيقال : رجل ثرثار وتمتام (١) وفأفاء ولضلاض أي : ماهر بالدلالة ، وهرهار أي : ضحّاك ، وجحجاح : سيّد ، وفجفاج : كثير الكلام ، وكهكاه ووطواط : ضعيف ، وعسعاس ، وحسحاس : خفيف الحركة ، وهفهاف : خميص البطن ، وبجباج : ممتلئ الجسم ودعداع ودحداح أي : قصير ، وتختاخ : ألكن وسمسام : سريع وقعقاع المفاصل أي : مصوّت ، وشيء خشخاش أي : يابس مصوّت ، وسبع قضقاض كاسر ، وحيّة نضناض : يحرّك لسانه كثيرا ، وكلّ ذلك يؤنّث بالتاء ويثنّى ويجمع ، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم : «أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي مجالس يوم القيامة الثّرثارون المتفيهقون» (٢) ، ومنه ريح زفزافة أي : محرّكة للحشيش وسفسافه تنخل التراب بمرّها ، ودرع فضفاضة : واسعة ، الفعل من كل ذلك فعلل والمصدر فعللة وفعلال بالكسر ، ولم ينقل في شيء منها فعلال بالفتح ، ومن أجاز ذلك كالزمخشري فقياسه غير صحيح لأنّ القياس على النادر لا يصحّ ، فثبت ما قصدته من بيان أصالة الوصفية في فعلال وغرابة المصدرية فيه وامتناعها منه ، فالقول المرضيّ أنّ الوسواس في قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) [الناس : ٤] هو الشيطان ، لا على حذف مضاف ، بل على أنّه من باب فعلال المقصود به المبالغة في فعلل كثرثار ونظائره ، والله أعلم بالصواب.
وسئل ابن مالك أيضا عن قوله صلّى الله عليه وسلّم : «غير الدجّال أخوفني عليكم» (٣) فأجاب : الكلام على لفظه ومعناه ، أمّا لفظه : فلتضمّنه إضافة أخوف إلى ياء المتكلم مقرونة بنون الوقاية ، وهو إنّما يعتاد مع الفعل المتعدي ، لأنّ هذه النون تصون الفعل من محذورات :
أحدها : التباسه بالاسم المضاف إلى ياء المتكلم ، فلو قيل : «ضربني» ضربي لالتبس بالضّرب وهو العسل الأبيض الغليظ ، فنفت نون الوقاية هذا المحذور.
__________________
(١) التمتمام : الذي يعجل بكلامه فلا يفهم ما يقول.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده (٤ / ١٩٤).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه (٤ / ٢٢٥١).