الثاني : أمر مؤنّثه بأمر مذكره ، فلو قلت : أكرمي بدل أكرمني قاصدا مذكّرا لم يفهم المراد ، فنفت النون ذلك.
الثالث : ذهاب الوهم إلى أنّ المضارع صار مبنيّا وذلك لو أوقعته على ياء المتكلم غير مقرونة بالنون لخفي إعرابه ، وظنّ به البناء على مراجعة الأصل ، فإنّ إعرابه على خلاف الأصل وأصله البناء ، فلو قلت بدل يكرمني : يكرمي لظنّ عوده إلى الأصل ، فزيادة النون تمكّن من ظهور إعرابه ، والاسم مستغن عن النون في الوجهين الأوّلين ، وأمّا الثالث : فللاسم فيه نصيب ، لكنّ أصالته في الإعراب أغنته وصانته من ذهاب الوهم إلى بنائه ، لا بسبب جليّ ، لكنّه وإن أمن ظنّ بنائه فلم يؤمن التباس بعض وجوه إعرابه ببعض ، فكان له في الأصل نصيب من إلحاق النون ، وتنزّل إخلاؤه منها منزلة أصل متروك ينبه عليه في بعض المواضع ، كما نبه بالقود واستحوذ على أصل قاد واستحاذ ، وكان أولى ما ينبّه به على ذلك أسماء الفاعلين ، فمن ذلك ما أنشده الفراء من قول الشاعر (١) : [الوافر]
فما أدري وكلّ الظّنّ ظنّي |
|
أمسلمني إلى قومي شراح |
فرخّم شراحيل دون نداء اضطرارا ، ومثله ما أنشده ابن طاهر في تعليقه على كتاب سيبويه : [الطويل]
٦٠١ ـ وليس بمعييني وفي النّاس مقنع |
|
صديقي إذا أعيى عليّ صديق |
وأنشد غيره : [الطويل]
٦٠٢ ـ وليس الموافيني ليرفد خائبا |
|
فإنّ له أضعاف ما كان آملا |
ولأفعل التفضيل أيضا شبه بالفعل وخصوصا بفعل التعجب ، فجاز أن تلحقه النون المذكورة في الحديث ، كما لحقت اسم الفاعل في الأبيات المذكورة ، وهذا أجود ما يقال في هذا اللفظ عندي ، ويجوز أن يكون «أخوف لي» وأبدلت اللام نونا كما في لعنّ مكان لعلّ وفي رفنّ بمعنى رفلّ ، وهو الفرس الطويل.
وأما الكلام من جهة المعنى ففيه وجوه :
أظهرها كون أخوف أفعل التفضيل صيغ من فعل المفعول كقولهم : أشغل من
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٣١٧).
٦٠١ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح الأشموني (١ / ١٢٦).
٦٠٢ ـ الشاهد بلا نسبة في الدرر (١ / ٢١٣) ، وشرح الأشموني (١ / ٥٧) ، ومغني اللبيب (٢ / ٣٤٥) ، والمقاصد النحوية (١ / ٣٨٧) ، وهمع الهوامع (١ / ٦٥).