على الجملة الفعلية. وإن ادّعى الثاني ، فلا يجوز في العربيّة أن تقول : عجبت منّي ولا عجبت منك ، لا يكون الفاعل ضميرا متّصلا بالفعل ، والمفعول ضميرا عائدا إلى ما عاد إليه ضمير الفاعل وقد تعدّى إليه الفعل بالجارّ ولهذا زعم أبو الحسن في قوله : [المتقارب]
٦١٧ ـ هوّن عليك فإنّ الأمور |
|
بكفّ الإله مقاديرها |
أنّ (على) اسم منصوب بهوّن ، لا حرف متعلّق بهوّن ، لأنّ الكاف على التقدير الأوّل مخفوضة بإضافة (على) ولا عمل فيها البتّة. وعلى التقدير الثاني منصوبة الموضع بالفعل ، ولا يجوز تعدّي فعل المضمر المتّصل إلى ضميره المتّصل. وينبغي له أن يقول بذلك في مثل قوله تعالى : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الأحزاب : ٣٧]. وفي هذا الموضع مباحث (٢) ليس هذا موضعها ، لأنّ فيها خروجا عن المقصود.
والقول الثالث : لجماعة من النحويّين ، رحمهم الله تعالى : أنّ الكاف اسم (كأنّ) ، و «لم تكن» الخبر ، والباء ظرفيّة متعلّقة ب (تكن) إن قدّرت كان تامّة ، أو بمحذوف هو الخبر إن قدّرت ناقصة. وعلى هذا القول فالتاء في تكن للخطاب لا للتأنيث ، وضميرها للمخاطب لا للدّنيا. وكذا البحث في لم تزل.
وعلى القولين الأوّلين الأمر بالعكس التاء للتأنيث والضميران للدنيا والآخرة. وهذا القول خير من القولين قبله ، والمعنى : كأنّك لم تكن في الدنيا ، وكأنّك لم تزل في الآخرة.
والقول الرابع : لابن عمرون رحمه الله : إنّ الكاف اسم كأنّ ، و (بالدنيا) و (بالآخرة) خبران ، وكلّ من جملتي «لم تكن» و «لم تزل» في موضع نصب على الحال. وإنّما تمّت الفائدة بهذا الحال ، والفضلات كثيرا ما يتوقف عليها المعنى المراد من الكلام ، كقولهم : «ما زلت بزيد حتّى فعل» ، فإنّ الكلام لا يتمّ إلّا بقولهم : حتى فعل. وقد جاء ذلك في الحال كقوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] ، ف (ما) مبتدأ و (لهم) الخبر ، والتقدير : وأيّ شيء استقرّ لهم. و (معرضين) حال من الضمير المجرور باللام ، ولا يستغني الكلام عنه ، لأن الاستفهام في المعنى عنه لا عن غيره.
__________________
٦١٧ ـ الشاهد للأعور الشني في الدرر (٤ / ١٣٩) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٣٣٨) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٤٢٧) ، ولبشر بن أبي خازم في العقد الفريد (٣ / ٢٠٧) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (٢ / ٦٧٩) ، والجنى الداني (ص ٤٧١) ، وخزانة الأدب (١٠ / ١٤٨) ، ومغني اللبيب (١ / ١٤٦) ، والمقتضب (٤ / ١٩٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ٢٩).
(١) انظر هذه المباحث في المغني (ص ١٥٦) ، والخزانة (٤ / ٢٥٤).