وهو أنّ الحكم بالأقسام المذكورة إنّما هو بالنظر إلى صور التراكيب اللفظية. ولا يلزم ابن مالك الحكم بتساوي الأمرين في نحو : «قام زيد وعمرو» ، بل الحكم برجحان العطف ، وهو قائل به ، ووجه لزوم ذلك من ظاهر كلامه ، لأنّ العطف قد أمكن بلا ضعف. وهذا هو مقتضى النظر لأنّ العطف هو الأصل وقد أمكن وسلم عن معارض. وأمّا كلام ابن عصفور فالقياس الذي ذكرناه ، يأباه ، فالصور أربع لا خمس.
وليعلم أنّ تسمية سيبويه المفعول معه مفعولا به مشكلة ، والناس فيها فريقان : فمنهم من تأوّلها ـ وهو ابن مالك فقال حين ذكر أنّ الباء تأتي للمصاحبة ، ما نصّه : «ولمساواة هذه الباء ل «مع» قد يعبّر سيبويه عن المفعول معه بالمفعول به» انتهى. ومنهم من أجراها على ظاهرها. والقول عندي : إن بعض الأمثلة يكون الاسم فيه على معنى «مع» ، ويسمّى مفعولا معه ، وبعضها يكون فيه على معنى الباء ويسمّى مفعولا به ، وأنّ سيبويه إنّما أراد ذلك. وها أنا مورد كلامه لتتأمّلوه : قال رحمه الله : «وينتصب فيه الاسم لأنّه مفعول معه ومفعول به» (١) ثمّ قال : «وذلك قولك : «ما صنعت وأباك» ، و «لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها» ، إنما أردت : «ما صنعت مع أبيك» ، و «لو تركت الناقة مع فصيلها». فالفصيل مفعول معه ، والأب كذلك ، والواو لم تغيّر المعنى ، ولكنّها تعمل في الاسم ما قبلها. ومثل ذلك : ما زلت وزيدا حتّى فعل ، أي : ما زلت بزيد حتّى فعل ، فهو مفعول به و «ما زلت أسير والنيل» (٢) أي : مع النيل ، و «استوى الماء والخشبة» ، أي : بالخشبة» (٣) انتهى. فانظر إلى كلامه رحمه الله ، حيث قال مفعولا معه ، ومفعولا به ، ثم فسّر بعض الأمثلة ب «مع» وبعضها بالباء. وأنّه حيث قدّر أحد الأمرين يكون ذلك المعنى إمّا متعيّنا ، أو أظهر من المعنى الآخر. فمن تأمّل هذا الكلام بالإنصاف علم أنّ مراده ما ذكرت.
ولم يتّسع الوقت للنظر فيما قال شارحو (الكتاب) في هذا الموضع ، وهذا مبلغ فهمي في كلامه رحمه الله ، والله تعالى أعلم. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
(١) انظر الكتاب (١ / ٣٦٠).
(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٥٦).
(٣) انظر الكتاب (١ / ٣٥٦).