ومعناه : وحاملا رمحا ، لأنّ التّقلّد نوع من الحمل ، ولأجل هذا الذي ذكرناه من حكم العطف بالواو قلنا في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة : ٦] ، في قراءة من خفض الأرجل : إنّ الأرجل تغسل والرّؤوس تمسح ، ولم يوجب عطفها على الرّؤوس أن تكون ممسوحة كمسح الرؤوس ، لأنّ العرب تستعمل المسح على معنيين :
أحدهما : النّضح ، والآخر الغسل ، حكى أبو زيد : تمسّحت للصلاة أي : توضّأت ، وقال الراجز :
٥٧٦ ـ أشليت عنزي ومسحت قعبي
أراد أنّه غسله ليحلب فيه ، فلمّا كان المسح نوعين أوجبنا لكلّ عضو ما يليق به ، إذ كانت واو العطف كما قلنا إنّما توجب الاشتراك في نوع الفعل وجنسه لا في كميته ولا في كيفيته ، فالنّضح والمسح جمعهما جنس الطّهارة كما جمع تقلّد السيف وحمل الرّمح جنس التّأهّب للحرب والتّسلّح ، وهكذا قولنا : بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيّدنا محمّد ، وإن كان الإخبار والدعاء قد اختلفا فإنّهما قد اتّفقا في معنى التّقدمة والاستفتاح أو في معنى التّبرّك والاستنجاح ، فإن قال قائل : قد أنكر النحويون أن يقال : ليت زيدا قائم وعمر بالرفع عطفا على موضع ليت وما عملت فيه ، وهل ذلك إلّا من أجل اختلاف الجملتين بأن إحداهما تصير خبرا والثانية تمنيا؟ فالجواب : أنّ هذا الذي توهّمته لا يصحّ من وجهين :
أحدهما : أن إنكار النحويين العطف على موضع (ليت) ليس من أجل ما ظننته ، وإنّما منعوه لأنّ (ليت) قد أبطلت الابتداء فلم تبق له لفظا ولا تقديرا ، ولو كان لليت ومعمولها موضع وعطف عمر عليه لم يكن عطف خبر على تمنّ كما توهّمته ، وإنّما كان يكون عطف خبر على خبر لأنّ التمني إنما كان لعامل اللفظ دون الموضع لو كان هناك موضع.
والوجه الثاني : أنّ قولنا : ليت زيدا قائم وعمر لا يعدّ جملتين ، وإنما يعدّ جملة واحدة ، لأنّ الخبر الذي كان يتم الجملة الثانية سقط استغناء بخبر الاسم الأول ، ولو قلت : ليت زيدا قائم وليت عمرا قائم لكانتا جملتين ، وهذا كقوله : قام زيد وقام عمر ، فيكون الكلام جملتين ، فإذا قلت : قام زيد وعمر صارت جملة واحدة ، ويدلّ
__________________
٥٧٦ ـ الرجز لأبي نخيلة في لسان العرب (قأب) ، وبلا نسبة في لسان العرب (شلا) ، ومجمل اللغة (٣ / ١٧٤) ، ومقاييس اللغة (٣ / ٢٠٩) ، وأساس البلاغة (شلو) ، وتاج العروس (شلا).