فعطف الأمر على الدّعاء ، وهذا كثير ، وقد قال سيبويه (١) في باب ما ينصب فيه الاسم لأنّه لا سبيل له إلى أن يكون صفة : «واعلم أنّه لا يجوز : من عبد الله ، وهذا زيد الرّجلين الصّالحين ، رفعت أو نصبت ، لأنّك لا تثني إلّا على من أثبتّه وعلمته ، ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم ، فتجعلها بمنزلة واحدة ، وإنّما الصّفة علم فيمن قد علمته» ، فأبطل جواز هذه المسألة من جهة جمع الصّفتين ، ولم يبطلها من أجل عطف الخبر على الاستفهام ، ووافقه جميع النحويين على هذه المسألة ، وإنّما كان ذلك لأنّ الجمل لا يراعى فيها التشاكل في المعاني ولا في الإعراب ، وقد استعمل بديع الزمان عطف الدعاء على الخبر في بعض مقاماته ، وهو قوله (٢) : «ظفرنا بصيد وحيّاك الله أبا زيد» وما نعلم أحدا أنكر ذلك عليه ، وإذا كان التشاكل يراعى في أكثر المفردات كان أجدر ألّا يراعى في الجمل ، ألا ترى أنّ العرب تعطف المعرب على المبنيّ والمبنيّ على المعرب ، وما يظهر فيه الإعراب على ما لا يظهر؟ وفي هذا الموضع شيء يجب أن يوقف عليه ، وذلك أن قول النحويين ، بأنّ الواو تعطف ما بعدها على ما قبلها لفظا ومعنى كلام خرج مخرج العموم ، وهو في الحقيقة خصوص ، وإنّما تعطف الواو الاسم على الاسم في نوع الفعل أو في جنسه لا في كميته ولا كيفيته ، ألا ترى أنّك إذا قلت : ضربت زيدا وعمرا قد يجوز أن تضرب زيدا ضربة واحدة وعمرا ضربتين وثلاثا فتختلف الكميتان؟ وكذلك يجوز أن تضرب زيدا جالسا وعمرا قائما فتختلف الكيفيتان ، ويبيّن ذلك قول العرب : إيّاك والأسد ، فيعطفون الأسد على ضمير المخاطب ، والفعل الناصب لهما مختلف المعنى ، لأنّ المخاطب مخوف والأسد مخوف منه ، فجاز العطف وإن اختلف نوعا التخويف ، لأنّ جنس التخويف قد انتظمهما ، ونحو منه قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس : ٧١] ، لأنّ الإجماع على الأمر وهو العزم عليه والجمع الذي يراد به ضمّ الأشياء المتفرّقة وإن اختلف نوعاهما فإنّ لهما جنسا يجتمعان فيه ، ألا ترى أنّهما جميعا يرجعان إلى معنى الصّيرورة والانجذاب؟ ألا ترى أنّ من عزم على الشيء فقد انجذب إليه ، وصار كما أنّ الأشياء المتفرقة إذا جمعت انجذب بعضها إلى بعض وصار كلّ واحد منها إلى الآخر؟ وكذلك قول الشاعر (٣) : [مجزوء الكامل]
يا ليت زوجك قد غدا |
|
متقلّدا سيفا ورمحا |
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٥٥).
(٢) انظر مقامات الهمذاني ، المقامة البغدادية (٢٠).
(٣) مرّ الشاهد رقم (١٣٨).