صدق ولا كذب مواقع الجمل الخبرية التي يجوز فيها الصّدق والكذب ، وهذا أشدّ من عطف بعضها على بعض ، كنحو ما أنشدوه من قول الجميح بن منقذ : [البسيط]
٥٧٢ ـ ولو أصابت لقالت وهي صادقة |
|
إنّ الرّياضة لا تنصبك للشيّب |
فأوقع النّهي موقع خبر (إنّ). وقال آخر : [الوافر]
٥٧٣ ـ ألا يا أمّ فارع لا تلومي |
|
على شيء رفعت به سماعي |
وكوني بالمكارم ذكّريني |
|
ودلّي دلّ ماجدة صناع |
فأوقع الأمر موقع مكان خبر (كان). وقال الراجز :
٥٧٤ ـ فإنّما أنت أخ لا نعدمه
فأوقع الجملة التي هي «لا نعدمه» ومعناها الدّعاء موقع الصفة لأخ حملا على المعنى ، كأنّه قال : فإنّما أنت أخ ندعو له بأن لا يعدم ، وليس يسوغ لمعترض علينا أن يزعم أنّ هذا شيء خصّ به الشعر ، فإنّ ذلك قد جاء في القرآن والكلام الفصيح ، فمن ذلك قول الله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] ، وأجاز النحويون بلا خلاف بينهم «زيد اضربه» و «عمرو لا تشتمه» و «زيد كم مرّة رأيته» و «عبد الله هل أكرمته» وزيد جزاه الله عني خيرا ، وقد جاء عن العرب عطف الفعل الماضي على المستقبل ، والمستقبل على الماضي واسم الفاعل على الفعل المضارع ، والفعل المضارع على اسم الفاعل ، وكذلك الفعل الماضي على اسم الفاعل ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [الحديد : ١٨] ، وقال امرؤ القيس : [الطويل]
٥٧٥ ـ ألا انعم صباحا أيّها الرّبع وانطق |
|
[وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق] |
__________________
٥٧٢ ـ الشاهد للجميح الأسدي في تذكرة النحاة (ص ٤٤٥) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٢٤٦) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٣٨٨) ، وشرح اختيارات المفضّل (١ / ١٥٣) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب (ص ٢٣٩).
٥٧٣ ـ البيت الأول بلا نسبة في لسان العرب (سمع) ، وتاج العروس (سمع) ، والثاني لبعض بني نهشل في خزانة الأدب (٩ / ٦٦) ، ونوادر أبي زيد (ص ٣٠) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (١٠ / ٢٤٦) ، والدرر (٢ / ٥٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٣٨٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩١٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٨٤) ، وهمع الهوامع (١ / ١١٣).
٥٧٤ ـ الشاهد بلا نسبة في المغني (ص ٦٤٧).
٥٧٥ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٦٨).