وقد يجوز في هذا أنّ في كلّ من الجملتين مجازا ، فمجاز الأولى بالفصل بينها وبين جوابها بالشّرط الثاني ، ومجاز الثانية بحذف جوابها. وعلى هذا فيجوز كون الشّرط الأوّل ماضيا ومضارعا ، وأمّا الشّرط الثاني فلا يجوز في فصيح الكلام أن يكون إلّا ماضيا ، لأنّ القاعدة في الجواب أنّه لا يحذف إلّا والشرط ماض ، فأمّا قوله (١) :[البسيط]
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا |
|
منّا معاقل عزّ زانها كرم |
فضرورة كقوله : [مشطور الرجز]
٦٢٧ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع |
|
إنّك إن يصرع أخوك تصرع |
القول الثاني : قول ابن مالك ـ رحمه الله ـ أنّ الجواب للأوّل كما يقوله الجمهور ، لكنّ الشرط الثاني لا جواب له ، لا مذكور ولا مقدّر ، لأنّه مقيّد للأوّل تقييده بحال واقعة موقعه ، فإذا قلت : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق» فالمعنى : إن ركبت لابسة فأنت طالق ؛ وكذلك التقدير في البيت :
إن تستغيثوا بنا مذعورين تجدوا.
فهو موافق للجمهور في اشتراط تأخير المقدّم وتقديم المؤخّر ، لكنّ تخريجه مخالف لتخريجهم.
وعندي أنّ ما ادّعوه أولى من جهات :
أحدها : أنّ دعواهم جارية على القياس ، فإنّ الشّرط يكون جوابه ظاهرا ومقدّرا. ودعواه خارجة عن القياس ، لأنّه جعله شرطا لا جواب له ، لا في اللّفظ ولا في التّقدير ، وكان ادّعاء ما يجري على القياس أولى.
الثاني : أنّ ما ادّعاه لا يطّرد له إلّا حيث يمكن اجتماع الفعلين كالأمثلة
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٦٢٥).
٦٢٧ ـ الشاهد لجرير بن عبد الله البجلي في الكتاب (٣ / ٧٦) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٢١) ، ولسان العرب (بجل) ، وله أو لعمرو بن خثارم العجليّ في خزانة الأدب (٨ / ٢٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٩٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٣٠) ، ولعمرو بن خثارم البجلي في الدرر (١ / ٢٧٧) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب (ص ٢٠٢) ، والإنصاف (٢ / ٦٢٣) ، ورصف المباني (ص ١٠٤) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٨٦) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٤٩) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٣٥٤) ، وشرح المفصّل (٨ / ١٥٨) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٥٣) ، والمقتضب (٢ / ٧٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ٧٢).