والثاني : أن تكون موصولة والمراد بها المصدر ، وبعض النحاة يقدّرها هكذا. في كل مكان أريد بها المصدر فيه ، وينكر جعلها مصدرية وإن كان المشهور خلافه. وعلى هذين التقديرين الدّلالة من الآية لأهل السنة ظاهرة جدا.
والثالث : أن تكون موصولة ، والمراد بها المنحوت بقيد النحت ، وفيه جهتان : ذاته ، ولم يعبد من جهتها ، وصنعته وهي التي عبد من جهتها ، وهي مخلوقة لله تعالى بمقتضى الآية ، ودلّت الآية على أنّها معمولة لهم. فإن ثبت أنّ الصورة الحاصلة في الصنم معمولة للآدمي وقعت الدّلالة لأهل السنة من الآية وإلا تعين أن يكون العمل نفسه فتصح الدّلالة لأهل السنة. والراجح من هذين الأمرين سنذكره.
الخامس : الصورة الحاصلة في المراد على قسمين :
أحدهما : ما لا أثر لفعل العباد فيه البتّة ، بل هو من فعل الله تعالى وحده إمّا بلا سبب من العبد ، وإمّا بسبب منهم يحاولونه ، فيوجد الله تعالى تلك الصورة عنده وذلك هو الصور الطبيعية ، وهي كالذوات فلا يقال إنّها مفعولة للعباد البتّة.
والثاني : ما هو أثر صنعة العبد ، وهي الصور الصناعية. ومن أمثلة ذلك الصورة الحاصلة في الصنم بنحت العباد وتصويرهم ؛ هل تقول إنّ تلك الصورة معمولة للعباد أو لله تعالى؟ ولا شكّ أنّ على مذهب أهل السنة لا تردّد في ذلك ؛ فإنّ الكلّ بفعل الله تعالى ؛ وإنّما التردد على مذهب المعتزلة ، أو بالاضافة الكسبية على مذهب أهل السنة. والحق أنّ ذلك ليس من فعل العباد ولا من كسبهم ، فإنّ القدرة الحادثة لا تؤثّر في غير محلّها ، فإذا قلنا : صوّر المشرك الصنم لم يكن من فعل المشرك إلّا التصوير القائم به ، والصورة الناشئة عنه من فعل الله تعالى ، فلا يقال فيها إنّها معمولة للعباد إلّا على جهة المجاز ، وإنّما يقال هي مصوّرة كما يقال في زيد المتعلق به الضرب : إنّه مضروب. وإذا قلنا عمل المشرك الصنم ففي الكلام مجاز بخلاف قولنا صوّر المشرك الصنم. وسببه أنّ (عمل) فعل عامّ ، و (صوّر) فعل خاصّ ، وسيأتي الفرق بين الأفعال الخاصة والعامة. فقولنا : (عمل) يقتضي أنّ الضّم معمول لمن أسند إليه الفعل ، وليس شيء من الصّنم لا من مادّته ولا من صورته فعلا للعبد ، ولا من عمله ؛ فكيف يكون مجموعه من عمله!! فلا بدّ من مجاز (١) ، وفي جهة المجاز وجوه :
أحدها : أن يكون استعمل (عمل) في معنى (صوّر) استعمالا للأعمّ في الأخصّ.
الثاني : أن يكون على حذف مضاف ، كأنّه قال : عمل تصوير الصنم ؛ فلا يكون التصوير على هذا مفعولا به ، بل مصدرا. وهذان الوجهان هما أقرب الوجوه التي خطرت لنا ، فلنقتصر عليهما ، وبالثاني يقوى أنّ المراد في قوله : «وما تعملون التصوير» فيكون حجة لأهل السنة.