السادس : الأفعال ضربان : خاصة ـ وهي الأكثر ـ مثل : قام ، وقعد ، وخرج ، في اللّازم ، وضرب ، وأكل ، وشرب ، في المتعدّي. وإنّما كثر هذا الضرب الخاصّ لازما ومتعدّيا لأنّه الذي يحصل به كمال الفائدة في الخبر عن فعل خاصّ ، والأمر به ، والنهي عنه ، ونحو ذلك.
الضرب الثاني : الأفعال العامة : مثل : فعل ، وعمل ، وصنع. وإنّما جاءت هذه الأفعال لأنّه قد يقصد الإخبار عن جنس فعل بدون تخصيص نوعه إما للعلم بالجنس دون النوع وإمّا لغرض آخر وكذلك الأمر به والنهي عنه وما أشبه ذلك ، ولكن هذا القصد أقلّ من قصد كمال الفائدة ، فلا جرم كان هذا الضرب أقلّ من الضرب الأول ، ولم يجئ منه إلّا ألفاظ معدودة. وإذا سئلنا عن هذه الأفعال العامة هل هي متعدية أو لازمة ، لم يجز لنا إطلاق القول بواحد من الأمرين ، لأنّها أعمّ من الأفعال المتعدية ومن الأفعال اللازمة. والأعمّ من شيئين لا يصدق عليه واحد منهما ، فإنّ الأعمّ يصدق على الأخصّ ولا ينعكس ، وإنّما يصحّ أن يقال ذلك عليها بطريق الإهمال الذي هو في قوة جزئيّ. فمتى وجد في كلام أحد من الفضلاء أنّ (عمل) متعدّية وجب حمله على ذلك ، وأنّ مراده أنّها قد تكون متعدّية. وكذا إذا قيل لازمة أو غير متعدّية وأريد به اللّزوم كما هو غالب الاصطلاح. قد يراد بغير المتعدّي أنّه الذي لا يتجاوز معناه من حيث هو هو فيصحّ بهذا الاعتبار أن تقول : إنّ (عمل) لا تتعدى ؛ لأنّ معناها العمل ، والعمل من حيث هو هو لا يتعدى إلّا إذا أريد به عمل خاصّ ، فيكون ذلك العمل الخاص هو المتعدّي لا مطلق العمل ، ومدلول (عمل) إنّما هو مطلق العمل ، فيصحّ أنّ مدلولها لا يتعدّى ، وهكذا فعل وصنع.
السابع : أنّ هذه الأفعال مع عمومها لها مصادر وهي الفعل والعمل والصنع ، وهي أحداث عامة يندرج تحتها غيرها من الأحداث الخاصة. وتلك الأحداث أفعال حقيقة ويصدق عليها مفعولات ، ومعمولات ، ومصنوعات ، باعتبار أنّها صادرة عن الفاعل. والشخص فاعل لفعله فلا شكّ أنّ فعله مفعول له ، فلذلك اتفق النحاة هنا على أنّه يطلق على مصادر هذه الأفعال اسم المفعول المطلق بخلاف الأفعال الخاصة لا يصدق على الضرب أنّه مفعول عند بعضهم وإن كان هو مفعولا في الحقيقة. ولا شكّ أنّه لا يصدق عليه مضروب بلا خلاف. وإنّما صدق على الفعل مفعول لاتّفاقهما في لفظ (فاء ، عين ، لام). وكذلك عمل وصنع ؛ ويقال في العمل والصنع : معمول ومصنوع ، ومع ذلك لا يكون الفعل المذكور متعدّيا ، بل يصحّ ذلك وإن أريد به معنى خاصّ لازم وأريد به مطلق الفعل الذي هو أعمّ من اللازم والمتعدّي ، فإذا قلت : عملت عملا أو فعلت فعلا أو صنعت صنعا فانتصابه على المصدر ليس إلّا ،