«يوم» بقوله «لقادر» لئلّا يصغر المعنى ؛ لأنّ الله تعالى قادر يوم تبلى السرائر وغيره فى كل وقت وعلى كل حال على رجع البشر وغيرهم. وكذلك قول الآخر.
ولا تحسبنّ القتل محضا شربته |
|
نزارا ولا أنّ النفوس استقرّت (١) |
ومعناه : لا تحسبنّ قتلك نزارا محضا شربته ؛ إلا أنه وإن كان هذا معناه فإن إعرابه على غيره وسواه ؛ ألا ترى أنك إن حملته على هذا جعلت (نزارا) فى صلة المصدر الذى هو (القتل) وقد فصلت بينهما بالمفعول الثانى الذى هو (محضا) ، وأنت لا تقول : حسبت ضربك جميلا زيدا وأنت تقدّره على : حسبت ضربك زيدا جميلا ؛ لما فيه من الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبىّ. فلا بدّ إذا من أن تضمر لنزار ناصبا يتناوله ، يدلّ عليه قول : (القتل) أى قتلت نزارا. وإذا جاز أن يقوم الحال مقام اللفظ بالفعل كان اللفظ بأن يقوم مقام اللفظ أولى وأجدر.
وذاكرت المتنبئ شاعرنا نحوا من هذا ، وطالبته به فى شيء من شعره ، فقال : لا أدرى ما هو ، إلا أنّ الشاعر قد قال :
*لسنا كمن حلّت إياد دارها*
البيت. فعجبت من ذكائه وحضوره مع قوة المطالبة له حتى أورد ما هو فى معنى البيت الذى تعقّبته عليه من شعره. واستكثرت ذلك منه. والبيت قوله :
ووفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه |
|
بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه |
وذكرنا ذلك لاتصاله بما نحن عليه ؛ فإن الأمر يذكر للأمر.
وأنشدنا أبو علىّ للكميت :
كذلك تلك وكالناظرات |
|
صواحبها ما يرى المسحل (٢) |
أى وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا ركبت قبح الفصل. فلا بدّ إذا أن يكون «ما يرى المسحل» محمولا على مضمر يدلّ عليه قوله
__________________
(١) المحض : اللبن الخالص لا رغوة فيه. نزار : أبو قبيلة ، وهو نزار بن معدّ بن عدنان. اللسان (نزر).
(٢) المسحل : جانب اللحية ، وهما مسحلان.