الرجلين دون اليدين وأن اليدين مواهقتان كما أنهما مواهقتان. فأضمر لليدين فعلا دلّ عليه الأوّل. فكأنه قال : تواهق يداها رجليها ثم حذف المفعول فى هذا ؛ كما حذفه فى الأوّل فصار على ما ترى : تواهق رجلاها يداها. فعلى هذه الصنعة التى وصفت لك تقول : ضارب (زيد عمرو) على أن ترفع عمرا بفعل غير هذا الظاهر ؛ ولا يجوز أن يرتفعا جميعا بهذا الظاهر. فأمّا قولهم : اختصم زيد وعمرو ففيه نظر. وهو أنّ عمرا مرفوع بفعل آخر غير هذا الظاهر ، على حدّ قولنا فى المعطوف : إن العامل فيه غير العامل فى المعطوف عليه ؛ فكأنه قال : اختصم زيد واختصم عمرو ؛ وأنت مع هذا لو نطقت بهذا الذى تقدّره لم يصلح الكلام معه ؛ لأن الاختصام لا يكون من أقلّ من اثنين. وعلّة جوازه أنه لمّا لم يظهر الفعل الثانى المقدّر إلى اللفظ لم يجب تقديره وإعماله ؛ كأشياء تكون فى التقدير فتحسن (فإذا) أنت أبرزتها إلى اللفظ قبحت. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى.
ومن ذلك قول الآخر :
فكرّت تبتغيه فوافقته |
|
على دمه ومصرعه السباعا (١) |
وذلك أنه إذا وافقته والسباع معه فقد دخلت السباع فى الموافقة ، فكأنه قال فيما بعد : وافقت السباع. وهو عندنا على حذف المضاف ؛ أى وافقت آثار السباع.
قال أبو علىّ : لأنها لو وافقت السباع هناك لأكلتها معه. ف (على) الآن هذه الظرف منصوبة (٢) بالفعل المحذوف الذى نصب السباع فى التقدير. ولو رفعت السباع لكانت (على) هذه مرفوعة الموضع ؛ لكونها خبرا عن السباع مقدّما ، وكانت تكون متعلّقة بالمحذوف ؛ كقولنا فى قولهم : فى الدار زيد. (وعلى هذا) قال الآخر :
تذكّرت أرضا بها أهلها |
|
أخوالها فيها وأعمامها (٣) |
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو للقطامى فى ديوانه ص ٤١ ، والأشباه والنظائر ٦ / ٣٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٧ ، ١٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٠ ، والكتاب ١ / ٢٨٤ ، والمحتسب ١ / ٢١٠ ، ونوادر أبى زيد ص ٢٠٤.
(٢) ظاهر أن هذا حكم مجرورها : يريد نصبه فى المعنى والمحل. وكذا رفعه فيما بعد (نجار).
(٣) البيت من السريع ، وهو لعمرو بن قميئة فى خزانة الأدب ٤ / ٤٠٧ ، والكتاب ١ / ٢٨٥ ، وبلا نسبة فى شرح المفصل ١ / ١٢٦ ، والمحتسب ١ / ١١٦.