لك فيها وجهان : إن شئت قلت : إنه أضمر فعلا للأخوال والأعمام على ما تقدم ، فنصبهما به ؛ كأنه قال فيما بعد : تذكرت أخوالها فيها وأعمامها. ودلّ على هذا الفعل المقدّر قوله : تذكرت أرضا بها أهلها ؛ لأنه إذا تذكّر هذه الأرض فقد علم أن التذكّر قد أحاط بالأخوال والأعمام ؛ لأنهم فيها ؛ على ما مضى من الأبيات. وإن شئت جعلت (أخوالها وأعمامها) بدلا من الأرض بدل الاشتمال ، على قول الله سبحانه : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) [البروج : ٤ ، ٥].
فإن قلت : فإن البدل العامل عندك فيه هو غير العامل فى المبدل منه ، وإذا كان الأمر كذلك فقد آل الحديث إلى موضع واحد وهو إضمار الفعل ، فلم قسمت الأمر فيهما إلى موضعين؟
قيل : الفرق قائم. ووجهه أن اتصال المبدل بالمبدل منه أشدّ من اتّصال ما حمل على المعنى بما قبله ، وإنما يأتى بعد استقرار الكلام الأوّل ورسوخه ، وليس كذلك البدل ؛ لأنه وإن كان العامل فيه غير الأوّل عندنا فإنه مع ذلك مشابه للصفة وجار مجراها.
نعم ، وقد خالف فيه أقوام ، فذهبوا إلى أن العامل فى الثانى هو العامل فى الأوّل. وحدّثنا أبو علىّ أنّ الزيادىّ سأل أبا الحسن عن قولهم : مررت برجل قائم زيد أبوه ، أأبوه بدل أم صفة؟ قال : فقال أبو الحسن : لا أبالى بأيّهما أجبت. أفلا ترى إلى تداخل الوصف والبدل. وهذا يدلّ على ضعف العامل المقدّر مع البدل.
وسألت أبا علىّ ـ رحمهالله ـ عن مسألة الكتاب : رأيتك إياك قائما ، الحال لمن هى؟ فقال : ل (إياك). قلت : فالعامل فيها ما هو؟ قال : (رأيت) هذه الظاهرة.
قلت : أفلا تعلم أن (إياك) معمول فعل آخر غير الأوّل؟ وهذا يقود إلى أن الناصب للحال هو الناصب لصاحبها أعنى الفعل المقدّر؟ فقال : لمّا لم يظهر ذلك العامل ضعف حكمه. وصارت المعاملة مع هذا الظاهر. فهذا يدلّك على ضعف العامل فى البدل واضطراب حاله ، وليس كذلك العامل إذا دلّ عليه غيره ؛ نحو قوله :
*تواهق رجلاها يداها ...*
وقوله :