وجه آخر. وهو أن الألف والنون قد عاقبتا تاء التأنيث وجرتا مجراها. وذلك فى (حذفهم لهما) عند إرادة الجمع كما تحذف ؛ ألا تراهم قالوا فى استخلاص الواحد من الجمع بالهاء. وذلك شعير وشعيرة ، وتمر وتمرة ، وبطّ وبطّة ، وسفرجل وسفرجلة. فكذلك انتزعوا الواحد من الجمع بالألف والنون أيضا. وذلك قولهم : إنس ، فإذا أرادوا الواحد قالوا : إنسان ، وظرب ، فإذا أرادوا الواحد قالوا : ظربان ؛ قال :
* قبّحتم يا ظربا مجحّره*
وكذلك أيضا حذفوا الألف والنون لياءى الإضافة ؛ كما حذفت التاء لهما ؛ قالوا فى خراسان : خراسىّ ؛ كما يقولون فى خراشة (١) : خراشى. وكسّروا أيضا الكلمة على حذفهما ، كما يكسرونها على حذف التاء. وذلك قولهم : كروان وكروان (وشقذان (٢) وشقذان) كما قالوا : برق (٣) وبرقان ، وخرب (٤) وخربان. فنظير هذا قولهم : نعمة وأنعم ، وشدّة وأشدّ ، عند سيبويه. فهذا نظير ذئب وأذؤب ، وقطع وأقطع ، وضرس وأضرس ؛ قال:
* وقرعن نابك قرعة بالأضرس*
وقالوا أيضا : رجل كذبذب وكذبذبان ، حتى كأنهما مثال واحد ؛ كما أن دما ودمة وكوكبا وكوكبة مثال واحد. ومثله الشعشع والشعشعان ، والهزنبر والهزنبران (٥) و (الفرعل والفرعلان) (٦).
فلما تراسلت الألف والنون ، والتاء فى هذه المواضع وغيرها جرتا مجرى المتعاقبتين ، فإذا التقتا فى مثال واحد ترافعتا أحكامهما ، على ما (قدمناه فى) ترافع الأحكام. فكذلك قرعبلانة ، لمّا اجتمعت عليه التاء مع الألف والنون ترافعتا
__________________
(١) خراشة من أسماء العرب ، وأبو خراشة خفاف بن ندبة.
(٢) الشقذان : الذئب والصقر والحرباء.
(٣) هو الحمل ، وهو الصغير من أولاد الضأن.
(٤) هو ذكر الحبارى.
(٥) هو السيئ الخلق.
(٦) الفرعل والفرعلان ولد الضبع.