الموضعين ؛ فإنه واضح.
فأمّا قولنا : أخذت كلّ المال ، وضربت كل القوم ، فليس الكل هو ما أضيف إليه. قال أبو بكر : إنما الكل عبارة عن أجزاء الشىء ، وكما جاز أن يضاف أجزاء الجزء الواحد إلى الجملة ، جاز أيضا أن تضاف الأجزاء كلها إليه.
فإن قيل : فالأجزاء كلّها هى الجملة ، فقد عاد الأمر إلى إضافة الشىء إلى نفسه.
قيل : هذا فاسد ، وليس أجزاء الشىء هى الشىء وإن كان مركّبا منها. بل الكل فى هذا جار مجرى البعض فى أنه ليس بالشىء نفسه ؛ كما أن البعض ليس به نفسه. يدل على ذلك وأن حال البعض متصوّرة فى الكل قولك : كل القوم عاقل ، أى كل واحد منهم على انفراده عاقل. هذا هو الظاهر ، وهو طريق الحمل على اللفظ ؛ قال الله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم : ٩٥] ، وقال تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) [الكهف : ٣٣] فوحّد ، وقال :
* كلا أبويكم كان فرع دعامة (١) *
فلم يقل : كانا ، وهو الباب. ومثله قول الأعشى أيضا :
حتى يقول الناس مما رأوا |
|
يا عجبا للميت الناشر (٢) |
أى حتى يقول كل واحد منهم : يا عجبا. وعليه قول الآخر :
تفوّقت مال ابنى حجير وما هما |
|
بذى حطمة فان ولا ضرع غمّر (٣) |
أى : وما كل واحد منهما كذلك.
فأما قوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧] و (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [البقرة : ١١٦] فمحمول على المعنى دون اللفظ. وكأنه إنما حمل عليه هنا لأن كلا فيه
__________________
(١) الفرع : الشريف.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) تفوق المال : أخذه شيئا بعد شيء ، مشتقّ من فواق الناقة. ذو الحطمة : الهرم. الضرع :الضعيف. الغمر : من لم يجرب الأمور.