وفي هذه السنة نزل عسكر مصر على دمشق مع ناصر الدولة الجيوشي ، وأقام عليها مدة يسيرة ، ولم يتم له فيها مراد ، فرحل عنها عائدا الى مصر.
وفيها نزل تاج الدولة السلطان على حلب ، ومعه وثاب وشبيب ابنا محمود بن صالح ، ومبارك بن شبل ، ورحل عنها في ذي القعدة ، ثم نزل عليها ثانية ولم يتم له فيها مراد ، فرحل عنها.
سنة إحدى وسبعين وأربعمائة
في هذه السنة خرج من مصر عسكر كبير مع ناصر الدولة الجيوشي ، ونزل على دمشق محاصرا لها ومضيقا عليها (١) ، واستولى على أعمالها وأعمال فلسطين ، وأقام عليها مدة مضايقا لها ، وطامعا في تملكها ، وأصر على منازلتها إصرارا اضطر أتسز صاحبها إلى مراسلة تاج الدولة يستنجده ، ويستصرخ به ، ويعده بتسليم دمشق إليه ويكون في الخدمة بين يديه ، فتوجه نحوه في عسكره ، فلما عرف ناصر الدولة الخبر ، وصح عنده قربه منه رحل عنها مجفلا ، وقصد ناحية الساحل ، وكان ثغرا صور وطرابلس في أيدي قضاتهما (٢) قد تغلبا عليهما ، ولا طاعة عندهما لأمير الجيوش ، بل يصانعان الأتراك بالهدايا والملاطفات ، ووصل السلطان تاج الدولة إلى عذراء في عسكره لإنجاد دمشق وخرج أتسز إليه وخدمه ، وبذل له الطاعة والمناصحة ، وسلم البلد إليه ، فدخلها وأقام بها مديدة ، ثم حدثته نفسه بالغدر باتسز ، ولاحت له منه
__________________
(١) في ترجمة أتسز للمقريزي في كتابه المقفى أن الحصار الثاني كان سنة سبعين فبعدما تحدث عن اخفاق حملة أتسز على مصر ذكر أن بدر الجمالي ندب العساكر «مع ناصر الدولة الجيوشي ، وبعثه إلى دمشق فحاصرها أياما ، وعاد في سنة سبعين ، فلما خاف أتسز من ظفر أهل مصر به ، راسل تاج الدولة تتش ابن ألب أرسلان يستنجده ، فتحرك لذلك ، وسأل أخاه السلطان ملك شاه بن ألب أرسلان أن يوليه الشام ، فأقطعه السلطان أبو الفتح ملك شاه بن ألب أرسلان الشام».
(٢) في صور آل عقيل وفي طرابلس آل عمار. انظر كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٧١ ـ ٧٢.