نحوها ، وتخلية بلادهم وأعمالهم خالية ، سافرة من حماتها ، والحفظة لها ، واستصبحوا من أموالهم وذخائرهم وعددهم الشيء الكثير ، الذي لا يحصى ، بحيث يقال ان عدتهم ألف ألف عنان ، من الرجالة والفرسان ، وقيل أكثر (١٦١ و) من ذلك وغلبوا ، على أعمال القسطنطينية ، واحتاج ملكها إلى الدخول في مداراتهم ، ومسالمتهم ، والنزول على أحكامهم ، وحين شاع خبرهم ، واشتهر أمرهم ، شرعت ولاة الأعمال المصاقبة لهم ، والأطراف الاسلامية القريبة منهم ، في التأهب للمدافعة لهم ، والاحتشاد على المجاهدة فيهم ، وقصدوا منافذهم ، ودروب معابرهم التي تمنعهم من العبور والنفوذ إلى بلاد الاسلام وواصلوا شن الغارات على أطرافهم ، واشتجر القتل فيهم ، والفتك بهم ، الى أن هلك منهم العدد الكثير ، وحل بهم من عدم القوت والعلوفات والمير وغلاء السعر إذا وجد ، ما أفنى الكثير منهم بموت الجوع والمرض ، ولم تزل أخبارهم تتواصل بهلاكهم ، وفناء أعدادهم الى أواخر سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحيث سكنت النفوس بعض السكون ، وركنت إلى فساد أحوالهم بعض الركون ، وخف ما كان من الانزعاج ، والفرق مع تواصل أخبارهم (١).
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة
وأولها يوم الجمعة الحادي وعشرين من أيار ، والشمس في الجوزاء ، وفي أوائلها تواترت الأخبار من سائر الجهات بوصول مراكب الأفرنج ، المقدم ذكرهم إلى ساحل البحر ، وحصولهم على سواحل الثغور الساحلية صور وعكا
__________________
(١) الحديث هنا عن الحملة الصليبية الثانية ، وقد ترجمت بعض المواد الوثائقية اللاتينية حولها هي في طريقها الى النشر. وكان أبرز قادة هذه الحملة كونراد امبراطور ألمانيا ولويس ملك فرنسا ، وفي تاريخ وليم الصوري وصف مفصل لحصار دمشق ٢ / ١٨٧ ـ ١٩٦ ، وسأثبت مواد وليم هذه في كتابي المعد عن الحملتين الأولى والثانية.