ولما رتب شمس الملوك أمر حمص ، وقرر أحوالها ، وانكفأ عائدا إلى دمشق في أول شهر رمضان ، خرجت العساكر المصرية من مصر إلى البر ، والاسطول في البحر مع شرف المعالي ولد الأفضل شاهنشاه ، وكتب في استدعاء المعونة على (٧٧ ظ) الجهاد ، وبنصرة العباد والبلاد ، بإنفاذ العسكر الدمشقي ، فأجيب إلى ذلك ، وعاقت عن مسيره أسباب حدثت ، وصوادف صدفت ، ووصل اسطول البحر ، ونزل على يافا آخر شوال ، وأقام أياما وتفرق الاسطول والعساكر إلى الساحل وكانت الأسعار بها قد ارتفعت ، والأقوات قد قلت ، فصلحت بما وصل من الاسطول من الغلة ورخص الأسعار ، إلا أن غارات الأفرنج متصلة عليها.
وفي ذي القعدة من السنة تواترت الأخبار بخروج قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش ، من بلاد الروم طالبا أنطاكية ، ووصوله إلى قريب من مرعش ، وجرى بينه وبين الأمير الدانشمند صاحب ملطية خلف ومنازعة ، أوجبت عوده عليه ، وايقاعه به ، وفل عسكره ، والفتك برجاله ، ولما انكفأ بعد ذلك قيل إنه وصل إلى الشام ، وأرسل رسوله الى حلب يلتمس الأذن للسفار بالوصول الى عسكره بالمير والأزواد ، وما يحتاج إليه سائر العسكرية والأجناد ، فسر الناس بذلك وتباشروا به.
سنة سبع وتسعين وأربعمائة
في رجب منها وردت الأخبار بوصول مراكب الأفرنج في البحر من بلادهم إلى ظاهر اللاذقية مشحونة بالتجار والأجناد والحجاج ، وغير ذلك ، وأن صنجيل المنازل لطرابلس استنجد بهم على طرابلس ، في مضايقتها والمعونة على ملكتها ، وأنهم وصلوا إليه فاجتمعوا معه على منازلتها ومضايقتها ، فقاتلوها أياما ورحلوا عنها ، ونزلوا على ثغر جبيل فقاتلوه وضايقوه وملكوه بالأمان ، فلما حصل في ملكتهم ، غدروا بأهله ، ولم يفوا بما بذلوه من الأمان وصادروهم ، واستنفذوا أحوالهم وأموالهم بالعقوبات وأنواع العذاب.