سنة ست عشرة وخمسمائة
في هذه السنة وردت الأخبار من ناحية بغداد ، بأن الأمير دبيس بن صدقة بن مزيد ، جمع واحتشد ، وقصد بغداد في حشده ، وعاث في أطرافها وأفسد في أكنافها ، فخرج الإمام الخليفة المسترشد بالله أمير المؤمنين من دار الخلافة ، واجتمعت إليه الأجناد ، وظهر إليه ، وحمل عليه ، فهزمه وتم الى الحلّة فنهبها ، ونهبت مقابر قريش ببغداد وما بها من القناديل الفضة والستور والديباج ، وعاد الى بغداد ودخلها في المحرم سنة سبع عشرة وخمسمائة.
وورد الخبر فيها بأن السلطان محمود سخط على وزيره (١) لأشياء نقمها عليه وأنكرها منه وأمر بالقبض عليه ، ثم تقدم بقتله فقتل.
__________________
السنة خمسة دنانير ، وخدمة اليهودي أربعة دنانير ، وخدمة المسلم ثلاثة دنانير. وأحسن الى المسلمين غاية الاحسان ، وجعل لأهل العلم والدين والصوفية أكرم المنازل ، وما ليس لهم عند المسلمين ، ولقد رأيت هذه الشروط كلها لما دخلت الى تفليس في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، ولقد رأيت ملك الأبخاز ديميطري الذي كنت في خدمته ، وقد نزل الى تفليس ، وأقام بها أياما ، ونزل ذات يوم جمعة الى الجامع ، وجلس على دكة تقابل الخطيب ، فوقف موضعه حتى خطب الخطيب ، وكل الناس يسمع الخطبة جميعها ، ثم خرج وأطلق برسم الجامع مائتي دينار أحمر وكنت أرى العلماء والوعاظ والأشراف والصوفية ، والذين يصلون يكرمهم ويعطيهم ويحترمهم ، ويعتمد معهم ما ليس بمثله ، ولقد كنت أرى لاحترامه للمسلمين ما لو أنهم ببغداد ما احترموا تلك الحرمة».
(١) ذكره ابن الأثير : ٨ / ٣٠٨ وتحدث عن أخلاقه وسلوكه في السلطة وكذلك فعل سبط ابن الجوزي : ١ / ١٠٧ ـ ١٠٩ حيث قال : أبو طالب السميرمي وزير السلطان محمود ، واسمه علي بن حرب وكان ظلوما مجاهرا بالظلم والفسق ، وأعاد المكوس ، وكان يقول : لقد سننت على أهل بغداد السنن الجائرة ، وكل ظالم يتبع أفعالي ، وما أسلم في الدنيا وقد فرشت حصيرا في جهنم ، وقد استحييت من كثرة التعدي على الناس وظلمي لمن لا ناصر له إلا الله ، وكان هذا القول منه في الليلة التي قتل في صباحها ، حيث وثب عليه ثلاثة من الباطنية وذبحوه كما تذبح الشاة ، وقيل تجرد لقتله واحد من غلمان الطغرائي انتقاما للطغرائي ، فطعنه عدة سكاكين ، أودت بحياته.