وفيها تواصلت الأخبار من ناحية الأمير عماد الدين أتابك ، باعتزامه على التأهب لقصد مدينة دمشق لمنازلتها ومحاصرتها ، وأنه منصرف الهمة الى الاستعداد لذلك (١).
سنة تسع وعشرين وخمسمائة
في أول المحرم هرب الحاجب يوسف بن فيروز شحنة دمشق ، إلى تدمر خوفا من شمس الملوك اسماعيل بن تاج الملوك بوري.
كان الحاجب المذكور في حياة (٢) تاج الملوك متمكن الرتبة عنده ، مقبول الرأي فيما يرومه ، وقد صرف همه ، ووكده الى تطلب معقل حصين يعده لنائبة تنوب ، وخطب من خطوب الزمان يتجدد ، واتفق أن الأمير شهاب الدين محمود بن تاج الملوك المقيم بتدمر ، قد سئم المقام بها ، وضجر من كونه فيها ، وارتاحت نفسه إلى دمشق والإقامة فيها ، وجعل يراسل أباه تاج الملوك ، ويسأله نقله عنها ، ولم يزل إلى أن أجيب الى مقترحه وأسعف بمطلبه ، فوجد يوسف بن فيروز الغرض الذي يتطلبه ، قد تسهلت أسبابه ، فشرع في الحديث فيه ، والخطاب بسببه ، والاستعانة بمن يعينه على ذلك من المقدمين والوجوه ، الى أن تسهل الأمر ، وأجيب إليه وعول في تولي أمر تدمر عليه ، وتسلمها وحصلت في ولايته ، ورتب فيها ولده مع من وثق به في حفظها ، والذب عنها من ثقات أصحابه وأمناء نوابه ، وشرع في تحصينها ورمرمتها ، ولم شعثها وشحنها بالغلة والعدد ، وحصل فيها كل ما يحتاج مثلها إلى مثله ، فلما عرف
__________________
(١) عزا ابن العديم في زبدة الحلب : ٢ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ سبب عزم زنكي الى سوء الأوضاع الداخلية ، واضطراب أحوال اسماعيل وسفكه للدماء ثم مراسلته زنكي يعرض عليه تسليمه البلد وفق شروط.
(٢) في الأصل : جاه وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا.