ابن أمير الجيوش ، وأجلسه في منصب أبيه عقيب وفاته ، ولقب بالآمر بأحكام الله ، واستقام له الأمر بحسن تدبير الأفضل ، وانتظمت به الأحوال على غاية المباغي والآمال.
وفي هذه السنة خرجت العساكر المصرية من مصر ، لإنجاد ولاة الساحل في الثغور الباقية في أيديهم منها على منازليهم من أحزاب الأفرنج ، ووصلت إلى عسقلان في رجب ، ولما عرف بغدوين قمص بيت المقدس وصولهم ، نهض نحوهم في جمعه من الأفرنج في تقدير سبعمائة فارس وراجل ، اختارهم ، فهجم بهم على العسكر المصري ، فنصره الله على حزبه المفلول ، وقتلوا أكثر خيله ورجالته ، وانهزم إلى الرملة في ثلاثة نفر ، وتبعوه وأحاطوا به ، فتنكر وخرج على غفلة منهم ، وقصد يافا ، وأفلت منهم ، فكان قد اختفى في أجمة قصب حين تبع ، وأحرقت تلك الأجمة ، ولحقت النار بعض جسده ، ونجا منها ، وحصل بيافا ، فأوقع السيف في أصحابه وقتل وأسر من ظفر به في الرملة من رجاله وأبطاله ، وحملوا الى مصر في آخر رجب من السنة.
وفي هذا الوقت وصلت مراكب الأفرنج في البحر ، تقدير أربعين مركبا ، ووردت الأخبار بأن البحر هاج بها ، واختلفت أرياحه عليها ، فعطب أكثرها ، ولم يسلم منها إلا القليل ، وكانت مشحنة بالرجال والمال.
سنة ست وتسعين وأربعمائة
(٧٧ و) فيها برز الملك شمس الملوك دقاق وظهير الدين أتابك من دمشق ، في العسكر ، وقصد الرحبة ، ونزل عليها ، وضايق من بها ، وقطع أسباب الميرة عنها ، وأضر بالمضايقة إلى أن اضطر المقيم بها إلى طلب الأمان له ولأهل البلد ، فأمنوا ، وسلمت إليه بعد القتال الشديد ، والحرب المتصلة في جمادى الآخرة منها ، ورتب أمرها ، وندب من رآه من الثقات لحفظها ، وقرر أحوال من بها ، ورحل عنها في يوم الجمعة الثاني والعشرين منها ، منكفئا إلى دمشق.