وفيها ورد الخبر من حمص ، بأن صاحبها الأمير جناح الدولة حسين أتابك ، نزل من القلعة إلى الجامع ، لصلاة الجمعة وحوله خواص أصحابه بالسلاح التام ، فلما حصل بموضع مصلاه على رسمه ، وثب عليه ثلاثة نفر عجم من الباطنية ومعهم شيخ ، يدعون له ويستميحونه ، في زي الزهاد ، فوعدهم ، فضربوه (١) بساكينهم ، وقتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه ، وكان في الجامع عشرة نفر من متصوفة العجم وغيرهم ، فاتهموا ، وقتلوا صبرا مظلومين في الوقت عن آخرهم.
وانزعج أهل حمص لهذا الحادث وأجفلوا في الحال ، وهرب أكثر سكانها من الأتراك إلى دمشق ، واضطربت الأحوال بها ، وراسلوا الملك شمس الملوك بدمشق يلتمسون إنفاذ من يتسلم حمص ، ويعتمد عليه في حمايتها ، والذب عنها قبل انتهاء الخبر إلى الافرنج ، وامتداد أطماعهم فيها ، فسار الملك شمس الملوك وظهير الدين أتابك في العسكر من دمشق ، ووصل إلى حمص ، وتسلمها ، وحصل في قلعتها ، ووافق ذلك وصول الأفرنج إليها ، ونزولهم على الرستن لمضايقتها ومنازلتها ، فحين عرفوا ذلك أحجموا عن القرب إليها والدنو منها ، ورحلوا عنها.
وقد كان المعروف بالحكيم المنجم الباطني ، صاحب الملك فخر الملوك رضوان صاحب حلب أول من أظهر مذهب الباطنية في حلب والشام ، وهو الذي ندب الثلاثة النفر لقتل جناح الدولة بحمص ، وورد الخبر بهلاكه بعد الحادثة بأربعة عشر (٢) يوما.
__________________
(١) في ترجمة جناح الدولة حسين لابن العديم جاء «وكان قتله .... بتدبير الحكيم أبي الفتح المنجم الباطني ، ورفيقه أبي طاهر ، وقيل كان ذلك بأمر رضوان ورضاه». مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٣٧٨.
(٢) في بغية الطلب لابن العديم : «وبقي المنجم الباطني بعده أربعة وعشرين يوما ومات». مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٣٧٨.