قد استبد بتدبير الأمور ، ومد يده في الظلم ، وأطلق لسانه بالهجر ، وأفرط في الاحتجاب عن الشاكي والمشتكي ، بالغلمان والحجاب ، وقصر في قضاء الحوائج تقصيرا منكرا ، واتفق للأقضية المقدرة والمكافأة المقررة ، أن تقدم مجير الدين باعتقاله وتقييده ، والاستيلاء على ما في داره ، ومطالبته بتسليم بعلبك ، وما فيها من مال ، وغلال ، وسرت بمصرعه النفوس ، ونهب العوام والغوغاء بيوت أصحابه وأسبابه ، وأرسل الله تعالى الغيث المتدارك ، بحيث افترت الأرض عن نضارتها ، وأبانت عن اخضرارها وغضارتها.
ولما كان في يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي الحجة من السنة ، أمر مجير الدين بضرب عنق عطاء الخادم المذكور ، لأسباب أوجبت ذاك ودعت إليه.
وفي يوم الأربعاء السابع وعشرين من ذي الحجة ، استدعى مجير الدين أبا الفضل ، ولد نفيس الملك ، المستوفي لجده تاج الملوك رحمهالله ، ورد إليه استيفاء ديوانه على عادة أبيه ، ولقبه لقب أبيه وجيه الدين نفيس الملك ، وتقرر اشراف الديوان للعميد سعد الدولة أبي الحسن علي بن طاهر الوزير المزدقاني.
ودخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة
أولها يوم الاربعاء ، مستهل المحرم ، والطالع للعالم الجوزاء ، وفي العشر الثاني من المحرم منها وصل الأمير الأسفهلار أسد الدين شيركوه ، رسولا من نور الدين صاحب حلب ، الى ظاهر دمشق ، وخيم بناحية القصب من المرج ، في عسكر يناهز الألف ، فأنكر ذاك ، ووقع الاستيحاش منه ، وإهمال الخروج إليه ، لتلقيه والاختلاط به ، وتكررت المراسلات فيما اقتضته الحال ، ولم تسفر عن سداد ولا نيل مراد.