ذكر أيام شمس الملوك أبي الفتح اسماعيل بن تاج الملوك بوري بن ظهير الدين أتابك
، وشرح حاله في ابتداء أمره الى انقضائه ، وما كان في خلال
ذلك من الحوادث المتجددة ، ومعرفة تواريخها وأوقاتها وأحوالها
لما مضى الأمير تاج الملوك بوري بن أتابك يرحمهالله ، من هذه الدنيا الفانية ، إلى الدار الباقية سعيدا حميدا شهيدا ، أقام ولده شمس الملوك أبو الفتح اسماعيل مقامه في المملكة ، حسب ما كان عهد به إليه في حياته ، وأوصى بما يعمل به بعد وفاته ، حسن السياسة والسيرة ، وأخلص النيّة في أعماله والسريرة ، وبسط العدل في الرعية ، وأفاض احسانه على كافة الأجناد والعسكرية ، وأقر الاقطاعات على أربابها ، والجامكيات على أصحابها ، وزاد في الواجبات ولم ينقصها ، وأقر وزير أبيه على وزارته ، ورتب العمّال والمتصرفين على ما كانوا عليه ، ورد أمر التقرير والتدبير إلى الحاجب يوسف بن فيروز ، شحنة دمشق ، واعتمد عليه في مهمات أمره ، وسكن إليه في جهره وسره ، وافتتح أمر السياسة بالنظر في أمر الرعية والمتعيشين ، بأن رفع عنهم ما كان يستخرج منهم في كل سنة من أقساط الفيئة ، وأبطل رسمها ، وحظر تناولها ، وأزال حكمها ، وعوّض أرباب الحوالات عليها بجهات غيرها ، فكثر له الدعاء ، واتصل عليه الثناء ، وذلك في رجب سنة ست وعشرين وخمسمائة ، وظهر من شهامته وشدة بأسه وشجاعته واقدامه وبسالته ومضاء عزيمته ما لم يقع في وهم ، ولا خطر في بال وفهم ، وسنذكر من ذلك في أماكنه ما يقوم مقام العيان دون الحكاية بالمقال.
فمن ذلك أولا افتتاحه حصن اللبؤة (١) والرأس (١٢٩ و) وكانا في يدي المندوبين لحفظهما من قبل تاج الملوك أبيه ، وكانا قد أقرّا على رسمهما ،
__________________
(١) قرب منابع نهر العاصي.