تنبهه من نومته ، وإيقاظه من فتور غفلته ، فان الحازم اللبيب والسديد الأريب إذا ذكّر ذكر ، وإذا نهي عن منكر أعرض عنه واقتصر ، فقالوا : الأمر أمرك الذي لا يخالف ، ولا يعدل عنه ، والحكم حكمك ، الذي لا خروج لنا منه ، وطاعتنا لك في حياتك ، كطاعتنا لولدك بعد وفاتك ، والله يمد لك في العمر ، ويمن عليك بالعافية الشافية ، وتعجيل السلامة والبر ، فسر بمقالهم ، وشكر ما بدا منهم من الحوادث الدالة على حميد خلالهم ، ثم نص في الأمر عليه ، وأشار في ولاية العهد من بعده إليه ، وقرر معهم العمل بطاعته ، والانتهاء الى إشارته ، وخلع عليه خلعا سنية ، تليق بمثله ، وتضاهي شرف مثله ، وركب فيها إلى داره من القلعة بين الأمراء والمقدمين والأتباع ، من : الخراسانية ، والغلمان والسلاحية والقزاغندية (١) والجاووشية في اليوم المذكور ، والمحفل المحضور ، وتضاعف بذاك منهم الجذل والسرور ، ومالت كافة الأصحاب إليه ، واجتمعوا عليه ، وواظبوا الخدمة له في كل يوم والتسليم عليه.
سنة ست وعشرين وخمسمائة
في هذه السنة ، ورد الخبر من ناحية الأفرنج بهلاك بغدوين الرويس ملك الأفرنج ، صاحب بيت المقدس بعكا ، في يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان منها ، وكان شيخا قد عركه الزمان بحوادثه ، وعانى الشدائد من نوائبه وكوارثه ، ووقع في أيدي المسلمين عدة دفعات أسيرا في محارباته
__________________
(١) في الأصل : والمقر عدارية ، وهو تصحيف رجحت صوابه : إما المقردارية ، أو كما أثبتت في المتن ، والقزاغندية نوع من المقاتلين كانوا يرتدون أثوابا قطنية أو حريرية محشوة أيام الحرب ، وهي عبارة مركبة من : قز ، وكند أو غند ، والقز هو الحرير ، وغند أو كند هو البطل الشجاع بالفارسية ، وسبب الترجيح أنه لم يمر بي من قبل «المقردارية» بينما مرت العبارة الثانية كثيرا.