ومصافاته ، وهو يتخلص منهم ، بحيله المشهورة ، وخدعه المخبورة ، ولم يخلف بعده فيهم صاحب رأي صائب ، ولا تدبير صالح ، وقام فيهم بعده الملك القومص الجديد الكند انجور (١) ، الواصل إليهم في البحر من بلادهم ، فلم يتسدد في رأيه ، ولا أصاب في تدبيره ، فاضطربوا لفقده ، واختلفوا من بعده.
وفيها اشتد مرض الجرح بتاج الملوك ، ووقع اليأس من برئه وصلاحه ، فطال الأمر به طولا ، سئم معه الحياة ، وأحب الوفاة ، وتزايد الضعف به ، والذبول في جسمه ، وقوته ، وقرب أجله وخاب في الصحة أمله (١٢٨ و) وتوفي إلى رحمة الله ومغفرته ، وتجاوزه ، على مضي ساعة من نهار يوم الاثنين الحادي والعشرين من رجب منها ، فتألمت القلوب لمصابه ، وأفيضت الدموع للنازل به.
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع |
ولكن قضاء الله تعالى لا يغالب ، وحكمه لا يدافع ، لأن هذه الدنيا دار سوء لم يدم فرح لامرئ فيها ، ولا حزن ، الأنفاس فيها محصاة معدودة ، والآجال محصورة محدودة ، والليل والنهار يقطعان الأعمار ، ويفنيان المدة ، وما فهم مواعظ الزمان من سكن إلى خدع الأيام ، ولقد أنشد عند فقده قول الشريف الرضي :
بعدا ليومك في الزمان فانّه |
|
أقذى العيون وفتّ في الاعضاد |
لولا ما من الله من قيام نجله في الأمر من بعده ، ونصه عليه في ولاية عهده ، شمس الملوك ، فأزال الروعة ، وخفف اللوعة ، فاشتغل الناس بالتهنئة بالأمير الموجود عن التعزية بالشهيد المفقود ، وقد كان لتاج الملوك رحمهالله
__________________
(١) سبق له أن ذكر وفاته ـ أنظر ص ٣٥٧.