فلما وصل إليهم في ذي الحجة من السنة ، وعرف الأفرنج خبره ، وحصوله قريبا منهم ، وما هو عليه من القوة وشدة الشوكة ، أجفلوا مولين ، ورحلوا منهزمين ، وتبعهم سرعان الخيول يتلقطون من يظفرون به في أعناقهم ، ولم يلو منهم منهزم على متلوم ، إلى أن حصلوا بأنطاكية ، وكانوا قد ابتنوا في منزلهم مساكن وبيوتا تقيهم الحر والبرد ، وأصروا على المقام ، ولطف الله تعالى ، وله الحمد بأهل حلب ، وخلصهم من البلاء ، وانتاشهم من اللأواء ، وكسب آق سنقر البرسقي بهذا الفعل الجميل جزيل الأجر والثناء ، ودخل حلب وأحسن السيرة فيها ، وأجمل المعاملة لأهليها ، واجتهد في الحماية لها ، والمراماة دونها ، بحيث صلحت أحوالها ، وعمرت أعمالها ، وأمنت سابلتها ، وتواصلت الرفق إليها ببضائعها وتجارتها.
وفي شتوة هذه السنة احتبس الغيث بأرض الشام ، في كانون وكانون وأكثر شباط ، وتلف الزرع ، وغلا السعر ، وعم القحط أكثر البلاد الشامية ، ثم تدارك الله عبيده بالرحمة ، وأنزل الغيث بعد القنوط ، فأحيا به الأرض بعد موتها ، وانتاش الزراعات بعد فوتها ، وطابت النفوس ، وزال عنها الهم والبؤس ، وارتفعت الأسعار في هذه السنة في حلب ودمشق وأعمالها إلى الرحبة والقلعة والموصل ، وبقي إلى سنة تسع عشرة وهلك كثير من ضعفاء الناس بالجوع.
سنة تسع عشرة وخمسمائة
(١١٦ و) في هذه السنة وردت الأخبار من مصر ، بتقدم الآمر بأحكام الله بالقبض على المأمون أبي عبد الله ، وأخيه المؤتمن ابني البطائحي ، غلامي الأفضل ، اللذين كانا عملا على قتله وأعانا على إتلافه ، واعتقالهما في شعبان