للمضايقة لها ، ونزلوا بظاهرها في شهر ربيع الأول من السنة ، وضايقوها بالقتال والحصار ، الى أن خفت الأقوات فيها ، وعدمت الميرة ، وتوجه ظهير الدين في العسكر إلى بانياس للذب عن صور.
ونفذت المكاتبات إلى مصر باستدعاء المعونة لها ، وتمادت الأيام بذلك إلى أن ضعفت النفوس ، وأشرف أهلها على الهلاك ، وعرف أتابك جلية [الأمر](١) وتعذر تلافيها ، ووقع اليأس من المعونة لها ، فراسل الأفرنج بالملاطفة والمداهنة ، والإرهاب والإرغاب إلى أن تقررت الحال على تسليمها إليهم ، بحيث يؤمّن كل من بها ، ويخرج من أراد الخروج من العسكرية والرعية ، بما يقدرون عليه من أحوالهم ، ويقيم من أراد الإقامة.
ووقف أتابك في عسكره بإزاء الأفرنج ، وفتح باب البلد ، وأذن للناس في الخروج ، فحمل كل منهم ما خف عليه ، وأطاق حمله ، وترك ما ثقل عليه ، وهم يخرجون بين الصفين ، وليس أحد من الأفرنج يعرض لأحد منهم ، بحيث خرج كافة العسكرية والرعية ، ولم يبق منهم إلا ضعيف (١١٥ ظ) لا يطيق الخروج ، فوصل بعضهم إلى دمشق ، وتفرقوا في البلاد ، وذلك في اليوم الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة ثماني عشرة وخمسمائة.
وفيها ورد الخبر باجتماع الأفرنج من أعمالهم ، ونزولهم على حلب ، وشروعهم في قتال من بها ، والمضايقة ، وتمادى الأمر في ذلك الى أن قلّت الأقوات فيها ، وأشرف على الهلاك أهلها ، فلما ضاق بهم الأمر ، وعدم الصبر راسلوا الأمير سيف الدين (أق) سنقر البرسقي ، صاحب الموصل بشكوى أحوالهم ، وشرح ما نزل بهم ، والسؤال له في إنجادهم على الأفرنج ، وانقاذهم من أيدي الكافرين ، فضاق لذلك صدره ، وتوزع سره ، وتأهب في الحال للمصير إليهم ، وصرف الاهتمام الى الذب عنهم.
__________________
(١) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق.