سنة عشر وخمسمائة
في هذه السنة ورد الخبر بأن بدران بن صنجيل (١) ، صاحب طرابلس ، قد جمع وحشد ، وبالغ واجتهد ، ونهض الى ناحية البقاع لإخرابه بالعيث والفساد والإضرار والعناد ، وكان الاصفهسلّار سيف الدين البرسقي ، صاحب الموصل ، قد وصل الى دمشق في بعض عسكره ، لمعونة ظهير الدين أتابك على الأفرنج ، والغزو فيهم ، وبالغ أتابك في الإكرام له والتعظيم لمحله ، وصادف ورد هذا الخبر بنهضة الأفرنج الى البقاع ، فاجتمع رأيهما على القصد لهما جميعا ، وأغذا السير ليلا ونهارا ، بحيث هجموا عليهم ، وهم غارون ، في مخيمهم قارون ، لا يشعرون فأرهقهم العسكر ، فلم يتمكنوا من ركوب خيلهم ، ولا أخذ سلاحهم ، فمنحهم الله النصر عليهم ، وأطلقوا السيف فيهم قتلا وأسرا ونهبا ، فأتوا على الراجل وهم خلق كثير ، قد جمعوا من أعمالهم ، وأسروا وجوه فرسانهم ومقدميهم ، وأعيان شجعانهم ، وقتلوا الباقين منهم ، ولم يفلت منهم غير مقدمهم بدران بن صنجيل والمقدم كند اصطبل ، ونفر يسير معهما ، ممن نجا به جواده ، وحماه أجله ، واستولى الأتراك على العدد الجمة ، والخيول والكراع والسواد ، وذكر الحاكي المشاهد العارف أن المفقود المقتول من الأفرنج الخيالة والسرجندية (٢) الرجالة ، والنصارى الخيالة والرجالة في هذه الوقعة ما يزيد على ثلاثة آلاف نفس.
__________________
(١) كذا في الأصل وهو وهم ، فبرتران كان توفي سنة ٥٠٥ ه / ١١١٢ م وخلفه ابنه بونز وقد سبقت الاشارة الى ذلك ص ٢٨٩ انظر كتاب طرابلس الشام : ١٤٩ ـ ١٥٢.
(٢) حوت جيوش الفرنجة عدة نوعيات من الأسلحة تقدمها سلاح الفرسان الثقال من طبقة النبلاء الاقطاعية ، وتلاهم «السرجندية» وهم رجالة ثقال كانت تجندهم الكنائس والديرة وتنفق هذه المؤسسات عليهم ، وغالبا ما كان السرجندية ضعف عدد الفرسان الثقال ، وبعد هؤلاء جاء الخيالة أو الفرسان الخفاف «التركبول» ثم الرجالة العاديين والحجاج وكان الجزء الأكبر من الصنفيين الأخيرين من المرتزقة. أفضل مصدر حول هذا الموضوع كتاب فن الحرب في الحروب الصليبية (بالانكليزية) تأليف ر. سميل. ط. لندن ١٩٦٧.