واستخلصوا منهم جميع ما أخذوه ، وأعيد الى أربابه ، وسكنت النفوس بعد انزعاجها ، والله المحمود المشكور.
ثم تقرر الرأي الملكي النوري ، أعلاه الله ، على التوجه الى مدينة حران لمنازلتها واستعادتها من أخيه نصرة الدين ، حسبما رآه في ذلك من الصلاح ، ورحل في العسكر المنصور ، في أول جمادى الآخرة ، فلما نزل عليها ، وأحاط بها ، وقعت المراسلات والاقتراحات والممانعات ، والمحاربات ، الى أن تقررت الحال على إيمان (١٩٥ ظ) من بها ، وتسلمت في يوم السبت الثالث والعشرين من جمادى الآخرة المذكور ، وقررت أحوالها ، وأحسن النظر إليها في أحوال أهليها ، وسلمت الى الأمير الأجل الاسفهسلار ، زين الدين ، على سبيل الاقطاع له ، وفوض إليه تدبير أمورها.
ودخلت سنة خمس وخمسين وخمسمائة
وأولها يوم الثلاثاء مستهل المحرم ، والشمس في كح درجة وكح دقيقة من الجدي ، والثاني عشر من كانون الثاني ، والطالع القوس سبع عشرة درجة وخمس دقائق ، وفي ليلة الجمعة من صفر من هذه السنة توفي الأمير مجاهد الدين بزان بن مامين (١) أحد مقدمي أمراء الأكراد ، والوجاهة في الدولة ، رحمهالله ، موصوف بالشجاعة ، والبسالة والسماحة ، مواظب على بث الصلات والصدقات ، في المساكين والضعفاء والفقراء ، مع الزمان ، وكل عصر ينقضي وأوان ، جميل المحيا ، حسن البشر في اللقاء ، وحمل من داره بباب الفراديس الى الجامع للصلاة ، ثم الى المدرسة المشهورة (٢) باسمه ،
__________________
(١) في حاشية الأصل بخط مخالف : قلت : هذا مجاهد الدين ، هو أبو الفوارس بزان بن مامين بن علي بن محمد ، وهو من الأكراد الجلالية ، وهي طائفة منهم ، بلادهم في العراق ، بنواحي دقوقا من أعمال بغداد.
(٢) كانت لصيق باب الفراديس المجدد ، تغير اسمها وصار الآن «جامع السادات» انظر منادمه الأطلال : ١٤٦ ـ ١٤٨.