شرح أسباب ولاية القائد سلمان بن فلاح
المقدم ذكره لدمشق وما آلت إليه حاله وحال أخيه في ذلك
في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة
قد تقدم من شرح ولاية القائد المذكور لدمشق ، والسبب لذلك ، وما آلت الحال إليه ما في معرفته الغناء والكفاية ، ولما وردت المكاتبات من مصر عقيب انجلاء فتنة القائد أبي محمد الحسن بن عمار شيخ كتامة بتجديد البيعة للحاكم بأمر الله بما يطيب قلوب أهل البلد ، ويبعثهم على الوثوب على سلمان ، وكان هذا القائد المذكور مشهورا بالكفاية والغناء ، وتوقد اليقظة في أحواله والمضاء ، لكنه كان مستهترا بشرب الراح واستماع الغناء ، والتوفّر على اللذة ، ولما وردت الملطفات (١) المصرية بما اشتملت عليه في حقّه وهو منهمك في لهوه لم يشعر إلا بزحف العامة والمشارقة إلى قصره وهجومهم عليه ، فخرج هاربا على ظهر فرسه ، فنهبت خزائنه وأمواله وعدده ، وأوقعوا بمن كان في البلد معه من كتامة ، وقتلوا منهم عدة وافرة ، وعادت الفتنة ثائرة ، واقتسم رؤساء الأحداث حال البلد ، وكان يكتب لبرجوان فهد بن إبراهيم النصراني ، فلما صار الأمر (٣٥ و) إليه استوزره ، وكان من أبناء القبط بريف مصر ، واستكتب أبا الفتح أحمد بن أفلح على ديوان الرسائل ، ولم يزل برجوان يتلطف للحسن ابن عمار إلى أن أخرجه من استتاره ، وأعاده إلى داره وأجراه على رسمه في راتبه واقطاعاته بعد أن شرط عليه إغلاق بابه ، وألا يداخل نفسه فيما كان يداخلها فيه ، ولا يشرع في فساد على الحاكم ، ولا على برجوان ، وأخذ العهد عليه بذلك واستحلفه بأوكد الأيمان وبالغ في التوثق منه.
__________________
(١) في الأصل : «المطلقات» وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا ، والملطفات الرسائل السرية.