وكان أهل صور في هذه السنة التي هي سنة سبع وثمانين قد عصوا وأمّروا عليهم رجلا ملّاحا من البحرية يعرف بالعلاقة ، وقتلوا أصحاب السلطان. واتفق أن المفرج بن دغفل قد نزل على الرملة ونهب ما كان في السواد ، وأطلق يد العيث في البلاد ، وانضاف إلى هاتين الحادثتين خروج الدوقس عظيم الروم في عسكر كثير إلى الشام ، ونزوله على حصن أفامية ، فاصطنع برجوان القائد جيش بن الصمصامة ، وقدمه وجهز معه ألف رجل ، وسيره إلى دمشق وأعمالها وبسط يده في الأموال ، ورد إليه تدبير الأعمال ، فسار جيش ونزل على الرملة والوالي عليها وحيد الهلالي ومعه خمسة آلاف رجل ، ووافاه ولاة البلد وخدموه وصادف القائد أبا تميم سلمان بن فلاح في الرملة فقبض عليه قبضا جميلا ، وندب أبا عبد الله الحسن بن ناصر الدولة وياقوت الخادم ومن معه من عبيد الشراء لقصد صور ومنازلتها وفتحها ، وكان قد وليّ جماعة من الخدم السواحل ، وأنفذوا إليها ، وأنفذ في البحر تقدير عشرين مركبا من الحربية المشحونة بالرجال إلى ثغر صور ، وكتب إلى علي بن حيدرة والي طرابلس بالمسير اليه في أصطوله ، والى ابن الشيخ والي صيدا بمثل ذلك ، والى جماعة من الجهات بحيث اجتمع الخلق الكثير على باب صور ، ووقعت الحرب بينها وبين أهلها ، واستجار العلاقة بملك الروم ، وكاتب يستنصره ويستنجده ، وأنفذ إليه عدّة مراكب في البحر مشحونة بالرجال المقاتلة ، والتقت هذه المراكب مراكب المسلمين فاقتتلوا في البحر قتالا شديدا ، فظفر المسلمون بالروم ، وملكوا مركبا من مراكبهم وقتلوا من فيه ، وكانت عدتهم (٣٥ ظ) مائة وخمسين رجلا ، وانهزمت بقية المراكب ، فضعفت نفوس أهل صور ، ولم يكن لهم طاقة بمن اجتمع عليهم من العساكر برّا وبحرا ، ونادى المغاربة : «من أراد الأمان من أهل الستر والسلامة فليلزم منزله» ، فلزموا ذلك ، وفتح البلد ، وأسر العلّاقة وجماعة من أصحابه ، ووقع النهب وأخذ من الأموال والرجال الشيء الكثير ، وكان هذا الفتح أول فتح على يد برجوان