وفي أيام من أوائل رمضان من السنة ، ورد الخبر بأن أكثر عسكر الافرنج قصدوا ناحية البقاع ، على غرة من أهلها ، وغاروا على عدة وافرة من الضياع ، فاستباحوا ما بها من رجال ونسوان وشيوخ وأطفال ، واستاقوا عواملها ومواشيها ودوابها ، واتصل الخبر بوالي بعلبك ، فأنهض إليهم رجاله ، واجتمع إليهم خلق كثير من رجال البقاع ، وأسرعوا نحوهم القصد ، ولحقوهم وقد أرسل الله تعالى عليهم من الثلوج المتداركة ما ثبطهم وحيرهم فقتلوا من رجالتهم الأكثر ، واستخلصوا من الأسرى والمواشي ما سلم من الهلاك بالثلج ، وهو الأقل ، وعادوا على أقبح صفة من الخذلان وسوء الحال ، بحمد الله ، ونصره المسلمين (١).
وفي يوم السبت الثاني والعشرين من شوال من السنة ، وهو اليوم الثالث من شباط وافت قبيل الظهر زلزلة اهتزت لها الأرض ثلاث هزات هائلة ، وتحركت الدور والجدران ، ثم سكنت بقدرة الله تعالى ذكره.
ودخلت سنة سبع وأربعين وخمسمائة
وأولها يوم الثلاثاء مستهل المحرم ، وفي المحرم منها ورد الخبر من ناحية نور الدين بنزوله على حصن انطرطوس في عسكره ، وافتتاحه له ، وقتل من كان فيه من الأفرنج ، وطلب الباقون الأمان على النفوس ، فأجيبوا الى ذلك ورتب فيه الحفظة وعاد (٢) عنه ، وملك عدة من الحصون ، بالسيف والسبي والإخراب ، والحرق والأمان.
__________________
(١) كان والي بعلبك آنذاك أيوب بن شادي ، والد صلاح الدين ، ومفيد أن نشير أنه في هذه السنة التحق صلاح الدين بعمه أسد الدين بحلب فقدمه الى نور الدين. الروضتين : ١ / ٨٣ ـ ٨٤.
(٢) في الأصل : «وعادوا» والتقويم من الروضتين : ١ / ٨٦ حيث الرواية عن ابن القلانسي.