سنة ثماني عشرة وخمسمائة
في هذه السنة ورد الخبر من ناحية العراق بأن القاضي ، قاضي القضاة زين الاسلام ، أبا سعد محمد بن نصر بن منصور الهروي ، كان قافلا من ناحية خراسان بجواب السلطان سنجر عما صدر على يده إليه ، وأنه لما نزل بهمذان في جامعها ، وثب عليه على حين غفلة منه ، قوم رتّبوا له من الباطنية ، فضربوه بسكاكينهم ، فقتلوه وهربوا في الحال ، ولم يظهر لهم خبر ولا بان منهم أثر ، ولا تبعهم شخص للخوف منهم ، فمضى لسبيله شهيدا إلى رحمة الله ، وذلك للقضاء النازل الذي لا يدافع ، والقدر الحال الذي لا يمانع ، وذلك في رجب منها.
وفيها ملك الأفرنج ثغر صور بالأمان ، وشرح الحال في ذلك : كان قد مضى من ذكر الذي أوجب إخراج الأمير (١١٥ و) سيف الدولة مسعود واليها منها ، وحمله في الأسطول إلى مصر ما لا يحتاج إلى الاعادة له ، والإطالة بذكره ، ولما حصل بها الوالي المندوب من مصر بعد مسعود ، طيّب نفوس أهله ، وكاتب ظهير الدين بصورة الحال ، فأعاد الجواب بأن الأمر في ذلك لمن دبّره ، والمرجوع إلى ما رتبه وقرره ، واتفق أن الأفرنج لما عرفوا هذا الأمر ، وانصراف مسعود عن ولاية صور ، تحرك طمعهم فيها ، وحدثوا نفوسهم بتملكها ، وشرعوا في الجمع والتأهب للنزول عليها ، والمضايقة لها ، واتصل بالوالي صورة الأمر ، وأنه لا طاقة له بالأفرنج ، ولا ثبات على محاصرتهم ، لقلة من بها من الجند والميرة ، فطالع الآمر بأحكام الله صاحب مصر بذلك ، فاقتضى الرأي أن ترد ولاية صور إلى ظهير الدين أتابك ، ليتولى حمايتها والذب عنها والمراماة دونها ، على ما جرى رسمه فيها ، وكتب منشور الولاية باسمه ، فندب لتوليها جماعة لا غناء لهم ، ولا كفاية فيهم ولا شهامة ، ففسد أمرها بذاك ، وتوجه طمع الافرنج حولها لأجله ، وشرعوا في النزول والتأهب