سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
(١٥٤ ظ) قد تقدم من ذكر عماد الدين أتابك زنكي ، في أواخر سنة أربعين وخمسمائة ، في نزوله على قلعة دوسر (١) على غرة من أهلها ، وهجمه على ربضها ونهبه ، وأخذ أهله ما لا حاجة إلى إعادة ذكره ، وشرح أمره ، ولم يزل مضايقا لها ، ومحاربا لأهلها في شهر ربيع الآخر من سنة احدى وأربعين وخمسمائة ، حتى وردت الأخبار بأن أحد خدمه ، ومن كان يهواه ويأنس به ، يعرف بيرنقش واصله افرنجي ، وكان في نفسه حقد عليه لإساءة تقدمت منه إليه فأسرها في نفسه ، فلما وجد منه غفلة في سكره ، ووافقه بعض الخدم من رفقته على أمره ، فاغتالوه عند نومه في ليلة الأحد السادس من شهر ربيع الآخر من السنة ، وهو على الغاية من الاحتياط بالرجال والعدد ، والحرس الوافر العدد حول سرادقة ، فذبحه على فراشه بعدة ضربات تمكنت من مقاتله ، ولم يشعر بهم أحد ، حتى هرب الخادم القاتل إلى قلعة دوسر المعروفة حينئذ بجعبر ، وفيها صاحبها الأمير عز الدين علي بن مالك بن سالم بن مالك ، فبشره بهلاكه ، فلم يصدقه ، وآواه إلى القلعة وأكرمه ، وعرف حقيقة الأمر ، فسر بذلك ، واستبشر بما آتاه الله من الفرج بعد الشدة الشديدة ، والاشفاء على الهلكة ، بتطاول المحاصرة والمصابرة ، وإرسال خواصه وثقاته إليه بما استدعاه منه ، واقترحه عليه من آلات فاخرة ، وذخائر وافرة أشار إليها ، وعين عليها ، ووعده إذا حصلت عنده بالإفراج عنه ، فعند حصول ذلك لديه مع أصحابه ، غدر بهم ، وعزم على الإساءة إليهم ، فأتاه من القضاء النازل ، الذي لا دافع له ولا مانع عنه ، ما صار به عبرة لأولي الأبصار ، وعبرة لذوي العقول والأفكار ، وتفرقت جيوشه أيدي سبأ ، ونهبت أمواله الجمة ، وخزائنه الدثرة ، وقبر هناك بغير تكفين الى أن نقل كما حكي إلى مشهد
__________________
(١) كذا ، وما ذكره المؤلف هو عدم توجه زنكي نحو دمشق وكشف خبر مؤامرة في الرها ، فلعل ذلك سقط من الأصل ، وقلعة دوسر هي قلعة جعبر ، قائمة الآن وسط بحيرة سد الفرات في سورية.