وأهلت سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة
في المحرم منها زحف الأفرنج إلى سور معرة النعمان من الناحية الشرقية والشمالية ، وأسندوا البرج إلى سورها ، وهو أعلى منه ، فكشفوا المسلمين عن السور ، ولم تزل الحرب عليه إلى وقت المغرب من اليوم الرابع عشر من محرّم ، وصعدوا السور ، وانكشف أهل البلد عنه ، وانهزموا بعد أن ترددت إليهم رسل الافرنج في التماس التقرير والتسليم وإعطاء الأمان على نفوسهم وأموالهم ، ودخول الشحنة إليهم ، فمنع من ذلك الخلف بين أهلها وما قضاه الله تعالى وحكم به ، وملكوا البلد بعد صلاة المغرب ، وقتل فيه خلق كثير من الفريقين ، وانهزم الناس إلى دور المعرة للاحتماء بها ، فأمنهم الافرنج وغدروا بهم ، ورفعوا الصلبان فوق البلد ، وقطعوا على أهل البلد القطائع ، ولم يفوا بشيء مما قرروه ، ونهبوا ما وجدوه ، وطالبوا الناس بما لا طاقة لهم به ، ورحلوا يوم الخميس السابع عشر من صفر إلى كفر طاب.
ثم قصدوا بعد ذلك ناحية بيت المقدس آخر رجب من السنة ، وأجفل الناس منهم من أماكنهم ، ونزلوا أولا على الرملة فملكوها عند إدراك الغلة ، وانتقلوا إلى بيت المقدس ، فقاتلوا أهله ، وضيقوا عليهم ، ونصبوا عليه البرج وأسندوه الى السور ، وانتهى إليهم خروج الأفضل من مصر في العساكر الدثرة ، لجهادهم والايقاع بهم ، وإنجاد البلد عليهم وحمايته منهم ، فشدوا في قتاله ، ولازموا حربه إلى آخر نهار ذلك اليوم ، وانصرفوا عنه ، وواعدهم الزحف إليهم من الغد ، ونزل الناس عن السور وقت المغرب ، (٧٤ ظ) فعاود الأفرنج الزحف إليه ، وطلعوا البرج ، وركبوا سور البلد ، فانهزم الناس عنه ، وهجموا البلد فملكوه ، وانهزم بعض أهله إلى المحراب ، وقتل خلق كثير وجمع اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم ، وتسلموا المحراب بالأمان في الثاني والعشرين من شعبان من السنة ، وهدموا المشاهد وقبر الخليل عليهالسلام.