وفي شعبان منها وردت الأخبار بخروج الأفضل أمير الجيوش من مصر ، في عسكر كبير إلى ناحية الشام ، ونزل على بيت المقدس ، وفيه الأميران سكمان وإيل غازي ابنا أرتق ، وجماعة من أقاربهما ورجالهما ، وخلق كثير من الأتراك فراسلهما يلتمس منهما تسليم بيت المقدس إليه ، من غير حرب ولا سفك دم ، فلم يجيباه الى ذلك ، فقاتل البلد ، ونصب عليه المناجيق ، فهدمت ثلمة من سوره ، وملكه وتسلم محراب داود من سكمان ، ولما حصل فيه أحسن إليهما وأنعم عليهما وأطلقهما ومن معهما ووصلوا إلى دمشق في العشر الأول من شوال ، وعاد الأفضل في عسكره إلى مصر.
وفيها توجه الأفرنج الى معرة النعمان بأسرهم ، ونزلوا عليها في اليوم التاسع والعشرين من ذي الحجة ، وقاتلوها ونصبوا عليها البرج والسلالم ، وبعد افتتاح الافرنج بلد (٧٤ و) أنطاكية بتدبير الزرّاد ، وهو رجل أرمني اسمه نيروز (١) في ليلة الجمعة مستهل رجب ، تواصلت الأخبار بصحة ذلك فتجمعت عساكر الشام في العدد الذي لا يدركه حصر ولا حزر ، وقصدوا عمل أنطاكية للإيقاع بعسكر الأفرنج ، فحصروهم حتى عدم القوت عندهم حتى أكلوا الميتة ، ثم زحفوا وهم في غاية من الضعف إلى عساكر الإسلام وهم في الغاية من القوة والكثرة ، فكسروا المسلمين ، وفرقوا جموعهم ، وانهزم أصحاب الجرد السبق ، ووقع السيف في الرجال المتطوعين والمجاهدين والمغاليين في الرغبة في الجهاد ، وحماية المسلمين ، في ذلك ، في يوم الثلاثاء السادس من رجب في السنة (٢).
__________________
(١) هو فيروز في مصادر أخرى.
(٢) انظر تفاصيل هذا في كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٣٨ ـ ٢٤٢.