في عدة أيام متفرقة ، فإذا كان يوم الحرب وقرب من السور ، زحفوا به وفيه الماء والخل لطفي النار ، وآلة الحرب.
فلما عاين من بصيدا هذا الأمر ، ضعفت نفوسهم ، وأشفقوا من مثل نوبة بيروت ، فأخرج إليهما قاضيها وجماعة من شيوخها ، وطلبوا من بغدوين الأمان ، فأجابهم الى ذلك ، وأمنهم والعسكرية معهم على النفوس والأموال ، وإطلاق من أراد الخروج منها إلى دمشق ، واستحلفوه على ذلك وتوثقوا منه وخرج الوالي والزمام وجميع الأجناد والعسكرية ، وخلق كثير من أهل البلد ، وتوجهوا الى دمشق لعشر بقين من جمادى [الأولى](١) لسنة أربع وخمسمائة ، وكانت مدة الحصار سبعة وأربعين يوما ، ورتب بغدوين الأحوال بها والحافظين لها ، وعاد إلى بيت المقدس ، ثم عاد بعد مدة يسيرة الى صيدا ، فقرر على من أقام بها نيفا وعشرين ألف دينار ، فأفقرهم واستغرق أحوالهم ، وصادر من علم أن له تنبه منهم.
سنة أربع وخمسمائة
(٩٤ و) في هذه السنة وردت الأخبار بأن جماعة من التجار المسافرين خرجت من تنيس (٢) ودمياط ومصر ببضائع وأموال جمة ، كانوا قد ضجروا وملّوا طول المقام ، وتعذر مسير الاصطول في البحر ، وحملوا نفوسهم على الخطر ، وأقلعوا في البحر ، فصادفتهم مراكب الأفرنج ، فأخذتهم وحصل في أيديهم من الأمتعة والمال ما يزيد على مائة ألف دينار ، وأسروهم وعاقبوهم ، واشتروا أنفسهم بما بقي لهم من الذخائر في دمشق وغيرها.
__________________
(١) أضيف ما بين الحاصرتين من الكامل لابن الأثير : ٨ / ٢٦٠.
(٢) في تقدم البلدان : ١١٨ ـ ١١٩ : «وتنيس جزيرة في مصر في وسط بحيرة تعرف ببحيرة تنيس قريبة من ماء البحر» المتوسط.