الحساب ، ولا خطر ببال ، بحيث انتظمت الحال في ذلك ، في عقد السداد ، وكنه المراد ، بحسن رأي ملك الروم ، ومعرفته بما تؤول إليه عواقب الحروب ، وتيسر الأمل المطلوب ، بعد تكرر المراسلات ، والاقتراحات في (١٩٥ و) التقريرات ، واجيب ملك الروم الى ما التمسه من إطلاق مقدمي الأفرنج المقيمين في حبس الملك نور الدين ، وأنفذهم بأسرهم ، وما اقترحه إليه ، وحصولهم لديه ، وقابل ملك الروم هذا الفضل ، بما يضاهيه ، أفعال عظماء الملوك الأسداء ، من الاتحاف بالأثواب الديباج الفاخرة ، المختلفة الأجناس ، الوافرة العدد ، ومن جوهر نفيس ، وخيمة من الديباج ، لها قيمة وافرة ، وما استحسن من الخيول الجبلية ، ثم رحل عقيب ذلك في عسكره من منزله ، عائدا الى بلاده ، مشكورا محمودا ، ولم يؤذ أحدا من المسلمين ، في العشر الأوسط من جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، فاطمأنت القلوب بعد انزعاجها وقلقها ، وأمنت عقيب خوفها وفرقها ، فلله الحمد على هذه النعمة حمد الشاكرين.
وورد الخبر بعد ذلك بأن الملك العادل نور الدين ، صنع لأخيه قطب الدين ولعسكره ، ولمن ورد معه من المقدمين والولاة وأصحابهم الواردين ، لجهاد الروم والأفرنج ، في يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى من السنة ، سماطا عظيما هائلا تناهى فيه بالاستكثار من ذبح الخيول والأبقار والأغنام ، وما يحتاج إليه في ذلك ، مما لا يشاهد مثله ، ولا شبه له ، مما قام بجملة كبيرة من الغرامة ، وفرق من الحصن العربية ، والخيول ، والبغال العدد الكثير ، ومن الخلع وأنواع الديباج المختلفة وغيره والتخوت الذهب الشيء الكثير ، الزائد على الكثرة ، وكان يوما مشهودا في الحسن والتجمل ، واتفق أن جماعة من غرباء التركمان ، وجدوا من الناس غفلة باشتغالهم بالسماط وانتهابه فغاروا على العرب من بني أسامة وغيرهم ، واستاقوا مواشيهم ، فلما ورد الخبر بذلك ، أنهض في إثرهم فريق وافر من العسكر المنصور ، فأدركوهم ،