ولا يرتكب منهم ظلما ، ولا يأخذ منهم برا بأثيم ، ولا بريئا بسقيم ، ويقنع منهم في اخرجاتهم ومقاساتهم وقسوطهم ومقاطعاتهم بالحقوق المستمرة ، ويحملهم في العدل على القواعد المستقرة ، ويستقرىء آثار الولاة قبله ، فما طاب منها ، وحسن اقتفاؤه اقتفره (١) ، وما ذم منها واستنكره أماطه وغيره.
ويعتقد أنه مسؤول عما اكتسب واجترح ، ومحاسب على ما أفسد وأصلح ، قال الله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٢) فليتلقّى هذه النعمة الكبيرة ، والعارفة الخطيرة بإعظام قدرها ، والقيام بواجب شكرها ، وليتحقق أنها قاطنة بفنائه ما أحسن جوارها بخالصة نصحه وولائه ، وباقية عليه وعلى عقبة ما عملوا بأحكام هذا العهد ، وعنوا بتأكيد أسبابه ، وأعلنوا بشعار الدولة ، واستمروا على السنة المألوفة في إقامة الخطبة والسكة ، وتمسكوا بولاء الدولة العباسية التي هي سنّة متبعة ، وما عداها ضلالة مبتدعة ، (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ (٣)) وأحسنوا السيرة في عباده وبلاده ، والله تعالى يمدنا وإياه في هذا الرأي الذي رأيناه ، ويزلف من رضاه ويحمد فاتحته وعقباه ، إن شاء الله تعالى.
وكتب في المحرم سنة عشر وخمسمائة.
وتوجه منكفئا إلى دمشق ، على أجمل صفة وأحسن قضية في سلامة النفس والجملة ، وتزايد العز والحرمة ، ودخلها في يوم الاثنين (١٠٨ ظ) لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة عشر وخمسمائة.
__________________
(١) أي تتبع أثره ـ النهاية لابن الأثير.
(٢) القرآن الكريم ـ النجم : ٣٩ ـ ٤١.
(٣) القرآن الكريم ـ الحج : ٧٨.