وقد فات الأمر فيه ، فأكرم مثواه ، وسر بمقدمه ، وأجيب عن رسائله ، وتوجه عائدا بعد أن حمل إليه ما يقتضيه محله ويوجبه مكانه ، وصادفه في طريقه بناحية الرحبة خيل الأمير عماد الدين ، فقبضت عليه ، ونهبت ما كان معه ، وقتلت بعض غلمانه ، ولقي شدة عظيمة من الاعتقال والإعنات ، إلى أن خلص وأطلق سراحه ، وعاد الى بغداد (١).
وفي يوم الخميس لثلاث ليال خلت من جمادى الآخرة منها ، جمع تاج الملوك جماعة من الأمراء والمقدمين والخواص ، وأعيان الأجناد والكتّاب والفقهاء وأماثل الرعية ، في مجلسه ، وقال لهم : إنني قد انتهت بي الحال بسبب هذا الجرح الذي قد طال ألمه ، وتعذر اندماله ، ما قد أيقنت معه الحلول بالأمر المقضي الذي لا بد منه ولا مندوحة للخلق عنه ، وقد يئست من روح الحياة ، واستشعرت قرب الوفاة ، وهذا ولدي أبو الفتح اسماعيل قد لاحت لي منه إمارة الشهامة والنجابة ، وبانت لي فيه مخايل الكفاية واللبابة ، وهو أكبر ولدي ، والمرجو لسد ثلمة فقدي ، وقد رأيت أن أجعله ولي عهدي ، والمرشح لتولي الأمر بعدي ، ثقة بسداده ، وحسن تأتيه مع حداثة سنه ، وحميد اقتصاده ، فان سلك منهاج الخير ، واقتفاه ، وقصد سبيل العدل والانصاف ، وتوخاه ، فذاك المراد منه ، والمأمول فيه ، وإن عدل عن المطلوب المشار إليه ، وخالف (١٢٧ ظ) الأمر المنصوص عليه ، كان المعدل عليكم في
__________________
(١) في مرآة الزمان : ١ / ١٣٥ ـ ١٣٦ : «قد ذكرنا أن دبيسا دخل البرية وانقطع خبره ، وقد اختلفوا في قصته ، أما تواريخ البغداديين فانهم قالوا : ضل في طريقه ، فقبض عليه بحلة حسان بن مكتوم الكلبي من أعمال دمشق ، وانقطع منه أصحابه ، فحمل الى دمشق ، فباعه أميرها ابن طغتكين من زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل بخمسين ألف دينار ، وكان زنكي عدوه ، فظن أنه سيهلكه ، فلما حصل في قبضته أكرمه ، وخوله المال والسلاح ، فلما ورد الخبر الى بغداد ، بعث الخليفة ابن الأنباري ، ليتوصل في أخذه ، فلما وصل الرحبة قبض عليه أميرها بأمر زنكي ، وحمل الى قلعة الموصل ... فلم يخلص إلا بشفاعة السلطان مسعود».