وغلا سعر الأقوات (١٧٧ و) لانقطاع الواصلين بالغلات ، ووصل نور الدين في عسكره الى شيركوه في يوم الأحد الثالث من صفر ، وخيم بعيون الفاسريا عند دومة ، ورحل في الغد ، ونزل بأرض الضيعة المعروفة ببيت الابار (١) من الغوطة ، وزحف الى البلد من شرقية ، وخرج إليه من عسكريته وأحداثه الخلق الكثير ، ووقع الطراد بينهم ، ثم عاد كل من الفريقين الى مكانه ، ثم زحف يوما بعد يوم ، فلما كان يوم الأحد العاشر من صفر ، للأمر المقدر المقضي ، والأمر الماضي ، وسعادة نور الدين الملك ، وأهل دمشق ، وكافة الناس أجمعين ، باكر الزحف ، وقد احتشد ، وتهيأ لصدق الحرب ، وظهر إليه العسكر الدمشقي على العادة ، ووقع الطراد بينهم ، وحملوا من الجهة الشرقية من عدة أماكن ، فاندفعوا بين أيديهم حتى قربوا من سور باب كيسان والدباغة من قبلي البلد ، وليس على السور نافخ ضرمة من العسكرية والبلدية ، لسوء تدبير صاحب الأمر ، والأقدار المقدرة ، غير نفر يسير من الأتراك المستحفظين ، لا يؤبه لهم ، ولا يعول عليهم في أحد الأبراج ، وتسرع بعض الرجالة الى السور ، وعليه امرأة يهودية ، فأرسلت إليه حبلا ، فصعد فيه ، وحصل على السور ، ولم يشعر به أحد ، وتبعه من تبعه ، واطلعوا علما نصبوه على السور ، وصاحوا : نور الدين يا منصور ، وامتنع الأجناد والرعية من الممانعة ، لما هم عليه من المحبة لنور الدين ، وعدله ، وحسن ذكره ، وبادر بعض قطاعي الخشب بفأسه الى الباب الشرقي ، فكسر أغلاقه ، وفتح فدخل منه العسكر على رعب ، وسعوا في الطرقات ولم يقف أحد بين أيديهم ، وفتح باب توما أيضا ، ودخل الناس منه ثم دخل الملك نور الدين وخواصه ، وسر كافة الناس ومن الأجناد والعسكرية لما هم عليه من الجوع وغلاء الأسعار ، والخوف من منازلة الأفرنج الكفار.
__________________
(١) بليدة خربت ، كان من عملها المنيحة وجرمانا ودير هند وبيت سابر ، والغالب أنها التل الكبير الماثل للعيان شرقي جرمانا ، غوطة دمشق : ٢٢٣.