وفيها وصل قمص (١) الرها ، مقدم الأفرنج في عسكره المخذول إلى ثغر بيروت ، فنزل عليه طامعا في افتتاحه ، وحاربه وضايقه وطال مقامه عليه ، ولم يتهيأ فيه مراد فرحل عنه.
ووردت مكاتبات فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس يلتمس فيها المعونة على دفع ابن صنجيل النازل في عسكره من الأفرنج على طرابلس ، ويستصرخ بالعسكر الدمشقي ، ويستغيث بهم ، فأجيب إلى ما التمس ، ونهض العسكر نحوه ، وقد استدعى الأمير جناح الدولة صاحب حمص ، فوصل أيضا في عسكره ، فاجتمعوا في عدد دثر ، وقصدوا ناحية أنطرطوس ، ونهد الأفرنج إليهم في جمعهم وحشدهم ، وتقارب الجيشان والتقيا هناك ، فانفل عسكر المسلمين من عسكر المشركين ، وقتل منهم الخلق الكثير ، وقفل من سلم إلى دمشق وحمص بعد فقد من (٧٦ ظ) فقد منهم ، ووصلوا في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة.
وفيها وردت الأخبار من ناحية مصر بوفاة المستعلي بالله أمير المؤمنين بن المستنصر بالله صاحب مصر ، في صفر منها ، وعمره سبع وعشرون سنة ، ومولده سنة ثمان وستين وأربعمائة ، وكانت مدة أيامه سبع سنين وشهرين ، ونقش خاتمه «الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين» ، وكان حسن الطريقة ، جميل السيرة في كافة الأجناد والعسكرية ، وسائر الرعية ، لازما قصره كعادة أبيه المستنصر بالله منكفيا بالافضل سيف الاسلام ابن أمير الجيوش ، فيما يريده ، بأصالة رأيه وصواب تقديره وامضائه ، وقام في الأمر بعده ولده أبو علي المنصور بن المستعلي بالله أبي القاسم أحمد ، وأخذ له البيعة على الأجناد والأمراء ، وكافة الرعايا والخدم والأولياء ، الأفضل السيد أبو القاسم شاهنشاه
__________________
(١) كان جوسلين هو كونت الرها ، وقد أرخ كاتب سرياني مجهول لمملكة الرها حتى سقوطها ، وقمت مؤخرا بترجمة هذا النص مع نصوص أخرى اغريقية ولاتينية عن الحملتين الصليبيتين الأولى والثانية لنشرها قريبا ان شاء الله.