من شمس الملوك التنكر عليه ، وظهر له فساد نيته فيه ، وبان ذلك له من ثقات يسكن إليهم ، ولا يشك فيهم ، وحمله الخوف من العاجلة له ، والايقاع (١) به ، فهم بالهروب إلى تدمر ، وترقب الفرصة في ذلك إلى أن اتفق لشمس الملوك في بعض الجهات خروج ، فخرج من البلد آخر النهار ، وسره مكتوم عن الخل والجار ، وقصد ضيعته لمشاهدتها ، (٣٤ ظ) وقد استصحب خواص أصحابه وغلمانه ، ثم تم على حاله مغذا في سيره ، مجدا في قصده إلى أن حصل بتدمر ، آمنا مما توقاه ، ظافرا بما رجاه ، وظهر خبره في غد ذلك اليوم ، فحين عرف شمس الملوك جلية حاله ، ضاق صدره لإفلاته من يده ، وتضاعف ندمه لفوات الأمر فيه ، وكاتبه بما يطيب نفسه ، ويؤنسه بعد استيحاشه ، فلم يصغ الى ذلك ، بل أجابه جواب الخاضع ، والطائع ، والعبد الناصح ، والمستخدم المخلص ، ويقول : «إنني في هذا المكان خادم في حفظه ، والذب عنه» ، فلما وقع اليأس ، وعلم أن المقال لا ينجع ، حنق عليه ، وذكره بكل قبيح ، وأظهر ما يسره في نفسه ، ولم يعرض لشيء من ملكه وداره ، واقطاعه وأهله وأسبابه ، وتجدد بعد ذلك ما يذكر في موضعه ، وكان هروبه في ليلة الجمعة لليلة خلت من المحرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، من الضيعة الجارية في إقطاعه ، المعروفة بالمنيحة (٢) من الغوطة.
وفي هذه السنة شاعت الأخبار في دمشق بين خاصتها وعامتها ، عن صاحبها الأمير شمس الملوك أبي الفتح اسماعيل بن تاج الملوك بوري ابن ظهير الدين أتابك ، بتناهيه في ارتكاب القبائح المنكرات ، وايغاله في اكتساب المآثر المحظورات ، الدالة على فساد التصور والعقل ، وصداء الحس
__________________
(١) قيل بأن شمس الملوك اتهم يوسف بوالدته. زبدة الحلب : ٢ / ٢٥٦.
(٢) لعلها القرية المعروفة الآن باسم «المليحة» في الغوطة الشرقية ، وتبعد عن دمشق مسافة / ١٢ كم /.