وورد الخبر باجتماع الأميرين : سكمان بن أرتق ، وجكرمش صاحب الموصل في عسكرهما [وأنهما] تعاهدا وتعاقدا على المجاهدة في أعداء الله الأفرنج ، وبذل الطاقة والاستطاعة في حربهم ، ونزلا في أوائل شعبان من السنة برأس العين ، ونهض بيمند وطنكري في عسكريهما من ناحية أنطاكية إلى الرها لإنجاد صاحبها على الأميرين المذكورين ، فلما قربا من عسكر المسلمين النازلين على الرها ، تأهب كل من الفريقين للقاء صاحبه ، فالتقوا في تاسع شعبان فنصر الله المسلمين عليهم ، وهزموهم وقتلوا منهم (٧٨ و) مقتله كثيرة ، وكانت عدتهم تزيد على عشرة آلاف فارس وراجل سوى السواد والأتباع ، وانهزم بيمند وطنكري في نفر يسير ، وكان نصرا حسنا للمسلمين لم يتهيا مثله ، وبه ضعفت نفوس الأفرنج ، وقلت عدتهم ، وفلت شوكتهم وشكتهم وقويت نفوس المسلمين وأرهفت (١) عزائمهم في نصرة الدين ، ومجاهدة الملحدين ، وتباشر الناس بالنصر عليهم ، وأيقنوا بالنكاية فيهم ، والإدالة منهم.
وفي هذا الشهر ورد الخبر بنزول بغدوين ملك الافرنج ، صاحب بيت المقدس ، في عسكره على ثغر عكا ، ومعه الجنويون في المراكب في البحر والبر ، وهم الذين كانوا ملكوا ثغر جبيل في نيف وتسعين مركبا ، فحصروه من جهاته وضايقوه من جوانبه ، ولازموه بالقتال إلى أن عجز واليه ورجاله عن حربهم ، وضعف أهله عن المقاتلة لهم ، وملكوه بالسيف قهرا ، وكان الوالي به الأمير زهر الدولة بنا (٢) الجيوشي قد خرج منه لعجزه عن حمايته ، وضعفه عن المراماة دونه ، وأنفذ يلتمس منهم الأمان له ولأهل الثغر ، ليأسه من وصول نجدة أو معونة ، فلما ملك الثغر تم على حاله منهزما إلى دمشق ، فدخلها وأكرمه ظهير الدين أتابك ، وأحسن تلقيه ، وكان وصوله إلى دمشق في يوم
__________________
(١) تكررت «وأرهفت بالأصل».
(٢) كذا في الأصل ، وفي النفس شيء منه ، ولم أجد في المتوفر من المصادر المتوفرة ما يفيد حوله ، ولعل العبارة «بنا» زائدة فحين أورد سبط ابن الجوزي الخبر قال : «وكان واليها زهر الدولة الجيوشي».